﴿ وَالَّذِينَ إِذَآ أَصَابَهُمُ الْبَغْىُ ﴾ [الشورى : ٣٩] الظلم ﴿ هُمْ يَنتَصِرُونَ ﴾ [الشورى : ٣٩] ينتقمون ممن ظلمهم أي يقتصرون في الانتصار على ما جعله الله تعالى لهم ولا يعتدون، وكانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجتريء عليهم الفساق.
وإنما حمدوا على الانتصار لأن من انتصر وأخذ حقه ولم يجاوز في ذلك حد الله فلم يسرف في القتل إن كان ولي دم فهو مطيع لله وكل مطيع محمود.
ثم بين حد الانتصار فقال ﴿ وَجَزَاؤُا سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾ [الشورى : ٤٠] فالأولى سيئة حقيقة والثانية لا.
وإنما سميت لأنها مجازاة السوء، أو لأنها تسوء من تنزل به، ولأنه لو لم تكن الأولى لكانت الثانية سيئة لأنها إضرار، وإنما صارت حسنة لغيرها، أو في تسمية الثانية سيئة إشارة إلى أن العفو مندوب إليه.
والمعنى أنه يجب إذا قوبلت الإساءة أن تقابل بمثلها من غير زيادة ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ ﴾ [الشورى : ٤٠] بينه وبين خصمه بالعفو والإغضاء ﴿ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى : ٤٠] عدة مبهمة لا يقاس أمرها في العظم ﴿ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّـالِمِينَ ﴾ [الشورى : ٤٠] الذين يبدءون بالظلم أو الذين يجاوزون حد الانتصار.
في الحديث :" ينادي منادٍ يوم القيامة من كان له أجر على الله فليقم فلا يقوم إلا من عفا ".
﴿ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ ﴾ [الشورى : ٤١] أي أخذ حقه بعدما ظلم على إضافة المصدر إلى المفعول ﴿ فَأُوالَـائكَ ﴾ إشارة إلى معنى من دون لفظه ﴿ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ﴾ [الشورى : ٤١] للمعاقب ولا للمعاتب والمعايب ﴿ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ ﴾ [الشورى : ٤٢] يبتدئونهم بالظلم ﴿ وَيَبْغُونَ فِى الارْضِ ﴾ [الشورى : ٤٢] يتكبرون فيها ويعلون ويفسدون ﴿ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوالَـائِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [الشورى : ٤٢] وفسر السبيل بالتبعة والحجة
١٦٠
﴿ وَلَمَن صَبَرَ ﴾ [الشورى : ٤٣] على الظلم والأذى ﴿ وَغَفَرَ ﴾ ولم ينتصر ﴿ إِنَّ ذَالِكَ ﴾ [الحج : ٧٠] أي الصبر والغفران منه ﴿ لَمِنْ عَزْمِ الامُورِ ﴾ [الشورى : ٤٣] أي من الأمور التي ندب إليها أو مما ينبغي أن يوجبه العاقل على نفسه ولا يترخص في تركه.
وحذف الراجع أي " منه " لأنه مفهوم كما حذف من قولهم : السمن منوان بدرهم، وقال أبو سعيد القرشي : الصبر على المكاره من علامات الانتباه، فمن صبر على مكروه يصيبه ولم يجزع أورثه الله تعالى حال الرضا وهو أجل الأحوال، ومن جزع من المصيبات وشكا وكله الله تعالى إلى نفسه ثم لم تنفعه شكواه.
﴿ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِىٍّ مِّن بَعْدِهِ ﴾ [الشورى : ٤٤] فما له من أحد يلي هدايته من بعد إضلال الله إياه ويمنعه من عذابه ﴿ وَتَرَى الظَّـالِمِينَ ﴾ [الشورى : ٤٤] يوم القيامة ﴿ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ﴾ [سبأ : ٣٣] حين يرون العذاب واختير لفظ الماضي للتحقيق ﴿ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ ﴾ [الشورى : ٤٤] يسألون ربهم الرجوع إلى الدنيا ليؤمنوا به.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٨
﴿ وَتَرَاـاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا ﴾ [الشورى : ٤٥] على النار إذ العذاب يدل عليها ﴿ خَـاشِعِينَ ﴾ متضائلين متقاصرين مما يلحقهم ﴿ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ ﴾ [الشورى : ٤٥] إلى النار ﴿ مِن طَرْفٍ خَفِىٍّ ﴾ [الشورى : ٤٥] ضعيف بمسارقة كما ترى المصبور ينظر إلى السيف.
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّ الْخَـاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ [الشورى : ٤٥] ﴿ يَوْمَ ﴾ متعلق بـ ﴿ خَسِرُوا ﴾ وقول المؤمنين واقع في الدنيا أو يقال أي يقولون يوم القيامة إذا رأوهم على تلك الصفة ﴿ أَلا إِنَّ الظَّـالِمِينَ فِى عَذَابٍ مُّقِيمٍ ﴾ [الشورى : ٤٥] دائم ﴿ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ ﴾ [الشورى : ٤٦] من دون عذابه
١٦١