﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ ﴾ [الشورى : ٥١] وما صح لأحد من البشر ﴿ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا ﴾ [الشورى : ٥١] أي إلهاماً كما روي " نفث في روعي " أو رؤيا في المنام كقوله عليه السلام " رؤيا الأنبياء وحي " وهو كأمر إبراهيم عليه السلام بذبح الولد ﴿ أَوْ مِن وَرَآى ِ ﴾ [الحشر : ١٤] حجابٍ أي يسمع كلاماً من الله كما سمع موسى عليه السلام من غير أن يبصر السامع من يكلمه.
وليس المراد به حجاب الله تعالى لا يجوز عليه ما يجوز على الأجسام من الحجاب ولكن المراد به أن السامع محجوب عن الرؤية في الدنيا ﴿ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا ﴾ [الشورى : ٥١] أي يرسل ملكاً ﴿ فَيُوحِىَ ﴾ أي الملك إليه.
وقيل : وحياً كما أوحي إلى الرسل بواسطة الملائكة ﴿ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا ﴾ [الشورى : ٥١] أي نبياً كما كلم أمم الأنبياء على ألسنتهم.
و ﴿ وَحْيًا ﴾ و ﴿ أَن يُرْسِلَ ﴾ [الروم : ٤٦] مصدران واقعان موقع الحال لأن ﴿ أَن يُرْسِلَ ﴾ [الروم : ٤٦] في معنى إرسالاً و ﴿ مِن وَرَآى ِ حِجَابٍ ﴾ [الشورى : ٥١] ظرف واقع موقع الحال كقوله ﴿ وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران : ١٩١] (آل عمران : ١٩٢).
والتقدير : وما صح أن يكلم أحداً إلا موحياً أو مسمعاً من وراء حجاب أو مرسلاً.
ويجوز أن يكون المعنى : وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا بأن يوحي أو أن يسمع من وراء حجاب أو أن يرسل رسولاً وهو اختيار الخليل، ﴿ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِىَ ﴾ بالرفع : نافع على تقدير
١٦٣
أو هو يرسل ﴿ بِإِذْنِهِ ﴾ إذن الله ﴿ مَّا يَشَآءُ ﴾ [آل عمران : ٤٠] من الوحي ﴿ إِنَّهُ عَلِىٌّ ﴾ [الشورى : ٥١] قاهر فلا يمانع ﴿ حَكِيمٌ ﴾ مصيب في أقواله وأفعاله فلا يعارض.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٣
﴿ وَكَذَالِكَ ﴾ أي كما أوحينا إلى الرسل قبلك أو كما وصفنا لك ﴿ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾ [النحل : ١٢٣] إيحاء كذلك ﴿ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ﴾ [الشورى : ٥٢] يريد ما أوحى إليه لأن الخلق يحيون به في دينهم كما يحيا الجسد بالروح ﴿ مَا كُنتَ تَدْرِى ﴾ [الشورى : ٥٢] الجملة حال من الكاف في ﴿ إِلَيْكَ ﴾.
﴿ مَا الْكِتَـابُ ﴾ [الشورى : ٥٢] القرآن ﴿ وَلا الايمَـانُ ﴾ [الشورى : ٥٢] أي شرائعه أو ولا الإيمان بالكتاب لأنه إذا كان لا يعلم بأن الكتاب ينزل عليه لم يكن عالماً بذلك الكتاب.
وقيل : الإيمان يتناول أشياء بعضها الطريق إليه العقل، وبعضها الطريق إليه السمع، فعنى به ما الطريق إليه السمع دون العقل وذاك بما كان له فيه علم حتى كسبه بالوحي ﴿ وَلَـاكِن جَعَلْنَـاهُ ﴾ [الشورى : ٥٢] أي الكتاب ﴿ نُورًا نَّهْدِى بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِى ﴾ [الشورى : ٥٢] وقرىء به ﴿ يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة : ١٤٢] الإسلام ﴿ صِرَاطِ اللَّهِ ﴾ [الشورى : ٥٣] بدل ﴿ الَّذِى لَهُ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ ﴾ [إبراهيم : ٢] ملكاً وملكاً ﴿ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الامُورُ ﴾ [الشورى : ٥٣] هو وعيد بالجحيم ووعد بالنعيم والله أعلم بالصواب.
١٦٤
سورة الزخرف
تسع وثمانون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ حم * وَالْكِتَـابِ الْمُبِينِ ﴾ أقسم بالكتاب المبين وهو القرآن، وجعل قوله ﴿ إِنَّا جَعَلْنَـاهُ ﴾ [الزخرف : ٣] صيرناه ﴿ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا ﴾ [الزمر : ٢٨] جواباً للقسم وهو من الأيمان الحسنة البديعة لتناسب القسم والمقسم عليه، والمبين البين للذين أنزل عليهم لأنه بلغتهم وأساليبهم أو الواضح للمتدبرين أو الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة وأبان كل ما تحتاج إليه الأمة في أبواب الديانة ﴿ لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة : ٧٣] لكي تفهموا معانيه ﴿ وَإِنَّهُ فِى أُمِّ الْكِتَـابِ لَدَيْنَا ﴾ [جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٥