﴿ وَجَعَلُوا الْمَلَـائكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَـادُ الرَّحْمَـانِ إِنَـاثًا ﴾ [الزخرف : ١٩] أي سموا وقالوا إنهم إناث ﴿ عِندَ الرَّحْمَـانِ ﴾ [مريم : ٧٨] مكي ومدني وشامي، أي عندية منزلة ومكانة لا منزل ومكان.
والعباد جمع عبد وهو ألزم في الحجاج مع أهل العناد لتضاد بين العبودية والولاد ﴿ أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ﴾ [الزخرف : ١٩] وهذا تهكم بهم يعني أنهم يقولون ذلك من غير أن يستند قولهم إلى علم، فإن الله لم يضطرهم إلى علم ذلك ولا تطرقوا إليه باستدلال ولا أحاطوا به عن خبر يوجب العلم ولم يشاهدوا خلقهم حتى يخبروا عن المشاهدة ﴿ سَتُكْتَبُ شَهَـادَتُهُمْ ﴾ [الزخرف : ١٩] التي شهدوا بها على الملائكة من أنوثتهم ﴿ وَيُسْـاَلُونَ ﴾ عنها وهذا وعيد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٩
﴿ وَقَالُوا لَوْ شَآءَ الرَّحْمَـانُ مَا عَبَدْنَـاهُم ﴾ [الزخرف : ٢٠] أي الملائكة.
تعلقت المعتزلة بظاهر هذه الآية في أن الله تعالى لم يشأ الكفر من الكافر وإنما شاء الإيمان، فإن الكفار ادعوا أن الله شاء منهم الكفر وما شاء منهم ترك عبادة الأصنام حيث قالوا ﴿ لَوْ شَآءَ الرَّحْمَـانُ مَا عَبَدْنَـاهُم ﴾ [الزخرف : ٢٠] أي لو شاء منا أن نترك عبادة الأصنام لمنعنا عن عبادتها، ولكن شاء منا عبادة الأصنام، والله تعالى رد عليهم قولهم واعتقادهم بقوله ﴿ مَّا لَهُم بِذَالِكَ ﴾ [الزخرف : ٢٠] المقول ﴿ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ ﴾ [الزخرف : ٢٠] أي يكذبون، ومعنى الآية عندنا أنهم أرادوا بالمشيئة الرضا وقالوا : لو لم يرض بذلك لعجل عقوبتنا، أو لمنعنا عن عبادتها منع قهر واضطرار، وإذ لم يفعل ذلك فقد رضي بذلك، فرد الله تعالى عليهم بقوله ﴿ مَّا لَهُم بِذَالِكَ مِنْ عِلْمٍ ﴾ [الزخرف : ٢٠] الآية.
أو قالوا ذلك استهزاءً لاجداً واعتقاداً، فأكذبهم الله تعالى فيه وجهلهم حيث لم يقولوا عن اعتقاد كما قال مخبراً عنهم.
﴿ أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ﴾ [يس : ٤٧] (يس : ٧٤).
وهذا حق في الأصل، ولكن لما قالوا ذلك استهزاءً كذبهم الله بقوله ﴿ إِنْ أَنتُمْ إِلا فِى ضَلَـالٍ مُّبِينٍ ﴾ [يس : ٤٧] (يس : ٧٤) وكذلك قال الله تعالى :
١٦٩
﴿ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ﴾ [المنافقون : ١] ثم قال ﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ لَكَـاذِبُونَ ﴾ [المنافقون : ١] (المنافقون : ١) لأنهم لم يقولوه عن اعتقاد وجعلوا المشيئة حجة لهم فيما فعلوا باختيارهم، وظنوا أن الله لا يعاقبهم على شيء فعلوه بمشيئته، وجعلوا أنفسهم معذورين في ذلك، فرد الله تعالى عليهم ﴿ أَمْ ءَاتَيْنَـاهُمْ كِتَـابًا مِّن قَبْلِهِ ﴾ [الزخرف : ٢١] من قبل القرآن أو من قبل قولهم هذا ﴿ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ﴾ [الزخرف : ٢١] آخذون عاملون.
وقيل : فيه تقديم وتأخير تقديره أشهدوا خلقهم أم آتيناهم كتاباً من قبله فيه أن الملائكة إناث ﴿ بَلْ قَالُوا ﴾ [الأنبياء : ٥] بل لا حجة لهم يتمسكون بها لا من حيث العيان ولا من حيث العقل ولا من حيث السمع إلا قولهم ﴿ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ ﴾ [الزخرف : ٢٢] على دين فقلدناهم وهي من الأم وهو القصد فالأمة الطريقة التي تؤم أي تقصد ﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَآ ﴾ [الزخرف : ٢٢] الظرف صلة المهتدون أو هما خبران.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٩
﴿ وَكَذَالِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ ﴾ [الزخرف : ٢٣] نبي ﴿ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَآ ﴾ [سبأ : ٣٤] أي متنعموها وهم الذين أترفتهم النعمة أي أبطرتهم فلا يحبون إلا الشهوات والملاهي ويعافون مشاق الدين وتكاليفه ﴿ وَكَذَالِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ ﴾ [الزخرف : ٢٣] وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلّم وبيان أن تقليد الآباء داء قديم ﴿ قَالَ ﴾ شامي وحفص أي النذير، ﴿ قُلْ ﴾ : غيرهما أي قيل للنذير قل ﴿ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ ءَابَآءَكُمْ ﴾ [الزخرف : ٢٤] أي أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم؟ ﴿ قَالُوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِ كَـافِرُونَ ﴾ [الزخرف : ٢٤] إنا ثابتون على دين آبائنا وإن جئتنا بما هو أهدى وأهدى
١٧٠