﴿ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ ﴾ [الأعراف : ١٣٦] فعاقبناهم بما استحقوه على إصرارهم ﴿ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [الزخرف : ٢٥].
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٩
﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ ﴾ [الزخرف : ٢٦] أي واذكر إذ قال ﴿ إِنَّنِى بَرَآءٌ ﴾ [الزخرف : ٢٦] أي بريء وهو مصدر يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث كما تقول : رجل عدل وامرأة عدل وقوم عدل والمعنى ذو عدل وذات عدل ﴿ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلا الَّذِى فَطَرَنِى ﴾ استثناء منقطع كأنه قال : لكن الذي فطرني ﴿ فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ﴾ [الزخرف : ٢٧] يثبتني على الهداية ﴿ وَجَعَلَهَا ﴾ وجعل إبراهيم عليه السلام كلمة التوحيد التي تكلم بها وهي قوله ﴿ إِنَّنِى بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلا الَّذِى فَطَرَنِى ﴾ ﴿ كَلِمَةَ بَاقِيَةً فِى عَقِبِهِ ﴾ [الزخرف : ٢٨] في ذريته فلا يزال فيهم من يوحد الله ويدعو إلى توحيده ﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [آل عمران : ٧٢] لعل من أشرك منهم يرجع بدعاء من وحد منهم والترجي لإبراهيم.
﴿ بَلْ مَتَّعْتُ هؤلاء وَءَابَآءَهُمْ ﴾ [الزخرف : ٢٩] يعني أهل مكة وهم من عقب إبراهيم بالمد في العمر والنعمة فاغتروا بالمهلة وشغلوا بالتنعم واتباع الشهوات وطاعة الشيطان عن كلمة التوحيد ﴿ حَتَّى جَآءَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [الزخرف : ٢٩] أي القرآن ﴿ وَرَسُولٌ ﴾ أي محمد عليه السلام ﴿ مُّبِينٌ ﴾ واضح الرسالة بما معه من الآيات البينة.
﴿ وَلَمَّا جَآءَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [الزخرف : ٣٠] القرآن ﴿ قَالُوا هَـاذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَـافِرُونَ * وَقَالُوا ﴾ فيه متحكمين بالباطل ﴿ لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءَانُ ﴾ [الزخرف : ٣١] فيه استهانة به ﴿ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾ [الزخرف : ٣١] أي رجل عظيم من إحدى القريتين كقوله ﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ [الرحمن : ٢٢] (الرحمن : ٢٢) أي من أحدهما، والقريتان : مكة والطائف.
وعنوا بعظيم
١٧١
مكة الوليد بن المغيرة، وبعظيم الطائف عروة بن مسعود الثقفي، وأرادوا بالعظيم من كان ذا مال وذا جاه ولم يعرفوا أن العظيم من كان عند الله عظيماً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٩
﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ﴾ أي النبوة، والهمزة للإنكار المستقل بالتجهيل والتعجيب من تحكمهم في اختيار من يصلح للنبوة ﴿ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ ﴾ [الزخرف : ٣٢] ما يعيشون به وهو أرزاقهم ﴿ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم ﴾ [العنكبوت : ٢٥] أي لم نجعل قسمة الأدون إليهم وهو الرزق فكيف النبوة؟ أو كما فضلت البعض على البعض في الرزق فكذا أخص بالنبوة من أشاء ﴿ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـاتٍ ﴾ [الزخرف : ٣٢] أي جعلنا البعض أقوياء وأغنياء وموالي والبعض ضعفاء وفقراء وخدماء ﴿ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ﴾ [الزخرف : ٣٢] ليصرف بعضهم بعضاً في حوائجهم ويستخدموهم في مهنهم ويتسخروهم في أشغالهم حتى يتعايشوا ويصلوا إلى منافعهم هذا بماله وهذا بأعماله و ﴿ رَحْمَتِ رَبِّكَ ﴾ [مريم : ٢] أي النبوة أو دين الله وما يتبعه من الفوز في المآب ﴿ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [آل عمران : ١٥٧] مما يجمع هؤلاء من حطام الدنيا.
ولما قلل أمر الدنيا وصغرها أردفه بما يقرر قلة الدنيا عنده فقال.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٩
﴿ وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ [الزخرف : ٣٣] ولولا كراهة أن يجتمعوا على الكفر ويطبقوا عليه ﴿ لَّجَعَلْنَا ﴾ لحقارة الدنيا عندنا ﴿ لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـانِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِـاُونَ * وَزُخْرُفًا ﴾
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٢
أي لجعلنا للكفار سقوفاً ومصاعد وأبواباً وسرراً كلها من فضة، وجعلنا لهم زخرفاً أي زينة من كل شيء.
والزخرف الذهب والزينة، ويجوز أن يكون الأصل سقفاً من فضة وزخرف أي بعضها من فضة وبعضها من ذهب فنصب عطفاً على محل ﴿ مِّن فِضَّةٍ ﴾ [الإنسان : ١٦] لبيوتهم بدل اشتمال من ﴿ لِمَن يَكْفُرُ ﴾ [الزخرف : ٣٣].
﴿ سُقُفًا ﴾ على الجنس : مكي وأبو عمرو ويزيد.