﴿ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلا ﴾ [الزخرف : ٥٧] لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلّم على قريش :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ [الأنبياء : ٩٨] (الأنبياء : ٨٩) غضبوا فقال ابن الزبعري : يا محمد أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال عليه السلام : هو لكم ولآلهتكم.
ولجميع الأمم.
فقال : ألست تزعم أن عيسى بن مريم نبي وتثني عليه وعلى أمه خيراً؟ وقد علمت أن النصارى يعبدونهما وعزيز يعبد، والملائكة يعبدون.
فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وءآلهتنا معهم ففرحوا وضحكوا، وسكت النبي صلى الله عليه وسلّم فأنزل الله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أؤلئك عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ [الأنبياء : ١٠١] (الأنبياء : ١٠١) ونزلت هذه الآية.
والمعنى ولما ضرب ابن الزبعري عيسى بن مريم مثلاً لآلهتهم وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعبادة النصارى إياه ﴿ إِذَا قَوْمُكَ ﴾ [الزخرف : ٥٧] قريش ﴿ مِنْهُ ﴾ من هذا المثل ﴿ يَصِدُّونَ ﴾ يرتفع لهم جلبة وضجيج فرحاً وضحكاً بما سمعوا منه من إسكات النبي صلى الله عليه وسلّم بجدله، ﴿ يَصِدُّونَ ﴾ مدني وشامي والأعشى وعلي، من الصدود أي من أجل هذا المثل يصدون عن الحق ويعرضون عنه.
وقيل : من الصديد وهو الجلبة وأنهما لغتان نحو يعكف ويعكف ﴿ وَقَالُوا ءَأَالِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ﴾ يعنون أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى، فإذا كان عيسى من حصب النار كان أمر آلهتنا هينا ﴿ مَا ضَرَبُوهُ ﴾ [الزخرف : ٥٨] أي ما ضربوا هذا المثل ﴿ لَكَ إِلا جَدَلا﴾ [الزخرف : ٥٨] إلا لأجل الجدل والغلبة في القول لا لطلب الميز بين الحق والباطل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٧
﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ [الزخرف : ٥٨] لد شداد الخصومة دأبهم اللجاج وذلك أن قوله تعالى ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴾ [الأنبياء : ٩٨] لم يرد به إلا الأصنام لأن ما لغير العقلاء إلا أن ابن
١٧٨
الزبعري بخداعه لما رأى كلام الله محتملاً لفظه وجه العموم مع علمه بأن المراد به أصنامهم لا غير، وجد للحيلة مساغاً فصرف اللفظ إلى الشمول والإحاطة بكل معبود غير الله على طريق اللجاج والجدال وحب المغالبة والمكابرة وتوقح في ذلك فتوقر رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى أجاب عنه ربه ﴿ إِنْ هُوَ ﴾ [يوسف : ١٠٤] ما عيسى ﴿ إِلا عَبْدٌ ﴾ [الزخرف : ٥٩] كسائر العبيد ﴿ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ﴾ [الزخرف : ٥٩] بالنبوة ﴿ وَجَعَلْنَـاهُ مَثَلا لِّبَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ [الزخرف : ٥٩] وصيرناه عبرة عجيبة كالمثل السائر لبني إسرائيل ﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَـائكَةً فِى الارْضِ ﴾ [الزخرف : ٦٠] أي بدلاً منكم كذا قاله الزجاج.
وقال جامع العلوم : لجعلنا بدلكم و " من " بمعنى البدل ﴿ يَخْلُفُونَ ﴾ يخلفونكم في الأرض أو يخلف الملائكة بعضهم بعضاً.
وقيل : ولو نشاء لقدرتنا على عجائب الأمور لجعلنا منكم، لولّدنا منكم يا رجال ملائكة يخلفونكم في الأرض كما يخلفكم أولادكم كما ولّدنا عيسى من أنثى من غير فحل، لتعرفوا تميزنا بالقدرة الباهرة، ولتعلموا أن الملائكة أجساد لا تتولد إلا من أجسام والقديم متعالٍ عن ذلك.
﴿ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ﴾ [الزخرف : ٦١] وإن عيسى مما يعلم به مجيء الساعة.
وقرأ ابن عباس ﴿ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ ﴾ [الزخرف : ٦١] وهو العلامة أي وإن نزوله علم للساعة ﴿ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا ﴾ [الزخرف : ٦١] فلا تشكن فيها من المرية وهو الشك ﴿ وَاتَّبِعُونِ ﴾ وبالياء فيهما : سل ويعقوب أي واتبعوا هداي وشرعي أو رسولي أو هو أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يقوله ﴿ هَـاذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ﴾ [آل عمران : ٥١] أي هذا الذي أدعوكم إليه ﴿ وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَـانُ ﴾ [الزخرف : ٦٢] عن الإيمان بالساعة أو عن الاتباع ﴿ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ﴾ [البقرة : ١٦٨] ظاهر العداوة إذ أخرج أباكم من الجنة ونزع عنه لباس النور.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٧
﴿ وَلَمَّا جَآءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَـاتِ ﴾ [الزخرف : ٦٣] بالمعجزات أو بآيات الإنجيل والشرائع
١٧٩


الصفحة التالية
Icon