﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم﴾ خطاب لبني إسرائيل أي : اذكروا وقت تنجيتنا إياكم أي : آباءكم فإن تنجيتهم تنجية لأعقابهم ومن عادة العرب يقولون قتلناكم يوم عكاظ أي : قتل آباؤنا آباءكم والنجو المكان العالي من الأرض لأن من صار إليه يخلص ثم سمي كل فائز ناجياً لخروجه من ضيق إلى سعة أي : جعلنا آباءكم بمكان حريز ورفعناكم عن الأذى.
﴿مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ﴾ واتباعه وأهل دينه، وفرعون لقب من ملك العمالقة ككسرى لملك الفرس وقيصر لملك الروم وخاقان لملك الترك والنجاشي للحبشة وتبع لأهل اليمن، والعمالقة الجبابرة وهم أولاد عمليق بن لاود بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام سكان الشام منهم سموا بالجبابرة وملوك مصر منهم سموا بالفراعنة ولعتوه اشتق منه تفرعن الرجل إذا عتا وتمرد فليس المراد الاستغراق بل الذين كانوا بمصر وفرعون موسى هو الوليد بن مصعب بن الريان وكان من القبط وعمر أكثر من أربعمائة سنة، وقيل إنه كان عطاراً أصفهانياً ركبته الديون فأفلس فاضطر إلى الخروج فلحق بالشام فلم يتيسر له المقام فدخل مصر فرأى في ظاهرها حملاً من البطيخ بدرهم وفي سوقها بطيخة بدرهم فقال في نفسه إن تيسر لي أداء الديون فهذا طريقه فخرج إلى السواد فاشترى حملاً بدرهم فتوجه به إلى السوق فكل من لقيه من المكاسين أي : العشارين أخذ بطيخة فدخل البلد وما معه إلا بطيخة فباعها بدرهم ومضى بوجهه ورأى أهل البلد متروكين سدى لا يتعاطى أحد سياستهم وكان قد وقع بها وباء عظيم فتوجه نحو المقابر فرأى ميتاً يدفن فتعرض لأوليائه فقال : أنا أمين المقابر فلا أدعكم تدفنونه حتى تعطوني خمسة دراهم فدفعوها إليه ومضى لآخر وآخر حتى جمع في مقدار ثلاثة أشهر مالاً عظيماً ولم يتعرض له أحد قط إلى أن تعرض يوماً لأولياء ميت فطلب منهم ما كان يطلب من غيرهم فأبوا ذلك فقالوا : من نصبك هذا المنصب فذهبوا به إلى فرعون أي : إلى ملك المدينة فقال : من أنت ومن أقامك بهذا المقام قال : لم يقمني أحد وإنما فعلت ما فعلت ليحضرني أحد إلى مجلسك فأنبهك على اختلال حال قومك وقد جمعت بهذا الطريق هذا المقدار من المال فأحضره ودفعه إلى فرعون فقال : ولني أمورك ترني أميناً كافياً فولاه إياها فسار بهم سيرة حسنة فانتظمت مصالح العسكر واستقامت أحوال الرعية ولبث فيهم دهراً طويلاً وترامى أمره في العدل والصلاح فلما مات فرعون أقاموه مقامه فكان من أمره ما كان وكان فرعون يوسف عليه السلام ريان وبينهما أكثر من أربعمائة سنة
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٢٦
﴿يَسُومُونَكُمْ﴾ أي : يبغونكم ﴿سُواءَ الْعَذَابِ﴾ وأقبحه بالنسبة إلى سائره ويريدونكم عليه ويكلفونكم الأعمال الشاقة ويذيقونكم ويديمون عليكم ذلك من سام السلعة إذا طلبها والسوم بمعنى البغاء وبغى يتعدى إلى مفعولين بلا واسطة فلذلك كان سوء العذاب منصوباً على المفعولية ليسومونكم
١٢٨