وسنته تعالى استدعاء العباد لعبادته بسعة الأرزاق ودوام المعافاة ليرجعوا إليه بنعمته فإن لم يفعلوا ابتلاهم بالسراء والضراء لعلهم يرجعون لأن مراده تعالى رجوع العباد إليه طوعاً وكرهاً فالأول حال الأحرار والثاني حال الأغيار.
قال داود بن رشيد من أصحاب محمد بن الحسن قمت ليلة فأخذني البرد فبكيت من العري فنمت فرأيت قائلاً يقول يا داود أنمناهم وأقمناك فتبكي علينا فما نام داود بعد تلك الليلة كذا في "روضة الأخيار"، قال في "المثنوي" :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٢٦
درد شتم داد حق تا من زخواب
بر جهم هرنيم شب لا بد شتاب
تا نخسبم جمله شب ون كاوميش
دردها بخشيد حق إز لطف خويش
روى أن الله تعالى أوحى إلى بعض أنبيائه أنزلت بعبدي بلائي فدعاني فماطلته بالإجابة فشكاني فقلت : عبدي كيف أرحمك من شيء به أرحمك، ومن ظن انفكاك لطفه تعالى فذلك لقصور نظره في العقليات والعاديات والشرعيات، أما العقليات فما من بلاء إلا والعقل قاض بإمكان أعظم منه حتى لو قدرنا اجتماع بلايا الدنيا كلها على كافر وعوقب في الآخرة بأعظم عذاب أهل النار لكان ملطوفاً به إذ الله قادر على أن يعذبه بأكثر من ذلك، وأما العاديات فما وجدت قط بلية إلا وفي طيها خير وحفها لطف باعتبار قصرها على نوعها إذ المبتلي مثلاً بالجذام والعياذ بالله ليس كالأعمى وهما مع الغنى ليسا كهما مع الفقر واجتماع كل ذلك مع سلامة الدين أمر يسير.
وأما الشرعيات فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "إذا أحب الله عبداً ابتلاه فإن صبر اجتباه وإن رضي اصطفاه" وليخفف ألم البلاء عنك علمك بأن الله هو المبتلي إما اعتباراً بأن كل أفعاله جميل أو لأنه عودك بالفعل الجميل والعطاء الجزيل.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٢٦
اذكروا
١٣٠
يا بني إسرائيل ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا﴾ فصلنا ﴿بِكُمُ﴾ أي : بسبب إنجائكم فالباء للسببية وهو أولى لأن الكلام مسوق لتعداد النعم والامتنان وفي السببية دلالة على تعظيمهم وهو أيضاً من النعم وقيل الباء بمعنى اللام كقوله تعالى :﴿ذَالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ (لقمان : ٣٠) أي : لأن الله ﴿الْبَحْرِ﴾ وهو بحر القلزم بحر من بحار فارس أو بحر من ورائهم يقال له أساف حتى حصل اثنا عشر مسلكاً بعدد أسباط بني إسرائيل والسبط ولد الولد والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب وهم أولاد يعقوب ﴿فَأَنجَيْنَـاكُمْ﴾ أي : من الغرق بإخراجكم إلى الساحل ﴿وَأَغْرَقْنَآ﴾ الغرق الرسوب في الشيء المائع ورسب الشيء في الماء رسوباً أي : سفل فيه والإغراق الإهلاك في الماء ﴿فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ﴾ يريد فرعون وقومه للعلم بدخوله فيهم وكونه أولى به منهم ﴿وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾ بأبصاركم انفراق البحر حين سلكتم فيه وانطباقه على آل فرعون بعد سلامتكم منه وأيضاً تنظرون إليهم غرقى موتى حين رماهم البحر إلى الساحل.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٣٠


الصفحة التالية
Icon