قال القرطبي : إن الله تعالى لما أنجاهم وأغرق فرعون قالوا : يا موسى إن قلوبنا لا تطمئن أن فرعون قد غرق حتى أمر الله البحر فلفظه فنظروا إليه.
روي أنه لما دنا هلاك فرعون أمر الله موسى عليه السلام أن يسري ببني إسرائيل من مصر ليلاً فأمرهم أن يخرجوا وأن يستعيروا الحلي من القبط وأمر أن لا ينادي أحد منهم صاحبه وأن يسرجوا في بيوتهم إلى الصبح ومن خرج لطخ بابه بكف من دم ليعلم أنه قد خرج فخرجوا ليلاً وهم ستمائة ألف وعشرون ألف مقاتل لا يعدون فيهم ابن العشرين لصغره ولا ابن الستين لكبره والقبط لا يعلمون ووقع في القبط موت فجعلوا يدفنونهم وشغلوا عن طلبهم فلما أرادوا السير ضرب عليهم التيه فلم يدروا أين يذهبون فدعا موسى مشيخة بني إسرائيل وسألهم عن ذلك فقالوا : إن يوسف لما حضره الموت أخذ على إخوته عهداً أن لا يخرجوا من مصر حتى يخرجوه معهم فلذلك انسد عليهم الطريق فسألهم عن موضع قبره فلم يعلمه أحد غير عجوز قالت : لو دللت على قبره أتعطيني كل ما سألتك فأبى عليها وقال حتى أسأل ربي فأمره الله بإيتاء سؤلها فقالت : إني عجوز كبيرة لا أستطيع المشي فاحملني وأخرجني من مصر هذا في الدنيا وأما في الآخرة فأسألك أن لا تنزل في غرفة إلا نزلتها معك قال : نعم قالت : إنه في جوف الماء في النيل فادع الله أن يحسر عنه الماء فدعا الله أن يؤخر طلوع الفجر إلى أن يفرغ من أمر يوسف فحفر موسى ذلك الموضع واستخرجه في صندوق من صنوبر قالوا : إن موسى استخرج تابوت يوسف من قعر النيل بالوفق وهو أول علم أوجده الله بنفسه وعلمه آدم عليه السلام فتوارثه الأنبياء آخراً عن أول ثم إنه حمله حتى دفنه بالشام ففتح لهم الطريق فساروا فكان هارون أمام بني إسرائيل وموسى على ساقتهم فلما علم بذلك فرعون جمع قومه فخرج في طلب بني إسرائيل وعلى مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف جواد ذكر ليس فيها رمكة على رأس كل واحد منهم بيضة وفي يده حربة فسارت بنو إسرائيل حتى وصلوا إلى البحر والماء في غاية الزيادة فأدركهم فرعون حين أشرقت الشمس فقال فرعون في أصحاب موسى إن هؤلاء لشرذمة قليلون فلما نظر أصحاب موسى إليهم بقوا متحيرين فقالوا لموسى : إنا لمدركون يا موسى أوذينا من قبل
١٣١
أن تأتينا ومن بعدما جئتنا اليوم نهلك فإن البحر أمامنا إن دخلناه غرقنا وفرعون خلفنا إن أدركنا قتلنا يا موسى كيف نصنع وأين ما وعدتنا قال موسى : كلا إن معي ربي سيهدين فأوحى الله إلى موسى أن اضرب بعضاك البحر فضربه فلم يطعه فأوحى الله إليه أن كَنِّه فضربه وقال : انفلق يا أبا خالد فانفلق فصار فيه اثنا عشر طريقاً كل طريق كالجبل العظيم فكان لكل سبط طريق يأخذون فيه وأرسل الله الريح والشمس على قعر البحر حتى صار يبساً فخاضت بنو إسرائيل البحر وعن جانبيهم الماء كالجبل الضخم ولا يرى بعضهم بعضاً فقالوا : ما لنا لا نرى إخواننا وقال كل سبط قد قتل إخواننا قال : سيروا فإنهم على طريق مثل طريقكم قالوا : لا نرضى حتى نراهم فقال موسى : اللهم أعني على أخلاقهم السيئة فأوحى الله إليه أن قل بعصاك هكذا وهكذا يمنة ويسرة فصار فيها كوى ينظر بعضهم بعضاً ويسمع بعضهم كلام بعض فساروا حتى خرجوا من البحر فلما جاز آخر قوم موسى هجم فرعون على البحر فرآه منفلقاً قال لقومه : انظروا إلى البحر انفلق من هيبتي حتى أدرك عبيدي الذين أبقوا فهاب قومه أن يدخلوه وقيل له : إن كنت ربّاً فادخل البحر كما دخل موسى وكان فرعون على حصان أدهم أي : ذكر أسود من الخيل ولم يكن في قوم فرعون فرس أنثى فجاء جبريل على أنثى وديق وهي التي تشتهي الفحل وتقدمه إلى البحر فشم أدهم فرعون ريحها فاقتحم خلفها البحر أي : هجم على البحر بالدخول وهم لا يرونه ولم يملك فرعون من أمره شيئاً وهو لا يرى فرس جبريل وتبعته الخيول وجاء ميكائيل على فرس خلف القوم يعجلهم ويسوقهم حتى لا يشذ رجل منهم حتى خاضوا كلهم البحر ودخل آخر قوم فرعون وجاز آخر قوم موسى وهم أولهم بالخروج فأمر الله البحر أن يأخذهم فانطبق على فرعون وقومه فأغرقوا فنادى فرعون لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين القصة وقالت بنوا إسرائيل الآن يدركنا فيقتلنا فلفظ البحر ستمائة وعشرين ألفاً عليهم الحديد فذلك قوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٣٠
﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ﴾ (يونس : ٩٢) فلفظ فرعون وهو كأنه ثور أحمر فلم يقبل البحر بعد ذلك غريقاً إلا لفظه على وجه الماء.


الصفحة التالية
Icon