المجيء للميقات إلى الطور ﴿مُوسَى﴾ مفعول أول لواعدنا "مو" بالعبرانية الماء و"شى" بمعنى الشجر فقلت الشين المعجمة سيناً في العربية وإنما سمي به لأن أمه جعلته في التابوت حين خافت عليه من فرعون وألقته في البحر فدفعته أمواج البحر حتى أدخلته بين أشجار عند بيت فرعون فخرجت جواري آسية امرأة فرعون يغسلن فوجدن التابوت فأخذنه فسمي عليه السلام باسم المكان الذي أصيب به وهو الماء والشجر ونسبه عليه الصلاة والسلام موسى بن عمران بن يصهر بن فاهت بن روي بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام :﴿أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ أي : تمام أربعين ليلة على حذف المضاف مفعول ثاننٍ أمره الله تعالى بصوم ثلاثين وهو ذو القعدة ثم زاد عليه عشراً من ذي الحجة وعبر عنها بالليالي لأنها غرر الشهور وشهور العرب وضعت على سير القمر ولذلك وقع بها التاريخ فالليالي أولى الشهور والأيام تبع لها أو لأن الظلمة أقدم من الضوء ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ وهو ولد البقرة بتسويل السامري إلهاً ومعبوداً ﴿مِنا بَعْدِهِ﴾ أي : من بعد مضيه إلى الميقات وإنما ذكر لفظة ثم لأنه تعالى لما وعد موسى حضور الميقات لإنزال التوراة عليه وفضيلة بني إسرائيل ليكون ذلك تنبيهاً للحاضرين على علو درجتهم وتعريفاً للغائبين وتكملة للدين كان ذلك من أعظم النعم فلما أتوا عقب ذلك بأقبح أنواع الكفر والجهل كان ذلك في محل التعجب فهو كمن يقول : إنني أحسنت إليك وفعلت كذا وكذا ثم إنك تقصدني بالسوء والأذى ﴿وَأَنتُمْ ظَـالِمُونَ﴾ بإشراككم ووضعكم للشيء في غير موضعه أي : وضع عبادة الله تعالى في غير موضعها بعبادة العجل وهو حال من ضمير اتخذتم.
﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم﴾ أي : محونا جريمتكم حين تبتم ﴿مِّنا بَعْدِ ذَالِكَ﴾ أي : من بعد الاتخاذ الذي هو متناه في القبح فلم نعاجلكم بالإهلاك بل أمهلناكم إلى مجيء موسى فنبهكم وأخبركم بكفارة ذنوبكم ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لكي تشكروا نعمة العفو وتستمروا بعد ذلك على الطاعة فإن الأنعام يوجب الشكر وأصل الشكر تصور النعمة وإظهارها وحقيقته العجز عن الشكر، قال السعدي :
خردمند طبعات منت شناس
بد وزند نعمت بميخ ساس
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٣٣
﴿وَإِذْ ءَاتَيْنَا﴾ أعطينا ﴿مُوسَى الْكِتَـابَ وَالْفُرْقَانَ﴾ أي : التوراة الجامعة بين كونها كتاباً وحجة تفرق بين الحق والباطل كقولك لقيت الغيث والليث تريد الجامع بين الجود والجراءة فالمراد بالفرقان والكتاب واحد.
﴿لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ لكي تهتدوا بالتدبر فيه والعمل بما يحويه وهذا بيان الحكمة دون العلة أي : الحكمة في إنزاله أن يتدبروا فيه فيعلموا أن الله تعالى لم يفعل ذلك به إلا للدلالة على صحة نبوته فيجتهدوا بذلك في اتباع الرشد وإذا فعلتم ذلك آمنتم بمحمد لأنه قد أتى من المعجزات بما يدلكم إذا تدبرتم على صحة دعواه النبوة.
روي أن بني إسرائيل لما أمنوا من عدوهم بإغراق الله آل فرعون ودخولوا مصر لم يكن لهم كتاب ولا شريعة ينتهون إليها فوعد الله موسى أن ينزل عليه التوراة فقال موسى لقومه : إني ذاهب لميقات ربي آتيكم بكتاب فيه بيان ما تأتون وتذرون ووعدهم أربعين ليلة واستخلف عليهم أخاه هارون فلما أتى الوعد جاءه جبريل على فرس يقال له فرس الحياة لا يصيب شيئاً إلا حيى
١٣٤