ليذهب بموسى إلى ربه فلما رآه السامري وكان رجلاً صائغاً من أهل باجرمي واسمه ميحا ورأى مواضع الفرس تخضر من ذلك وكان منافقاً أظهر الإسلام وكان من قوم يعبدون البقر فلما رأى جبريل على ذلك الفرس قال : إن لهذا شأناً وأخذ قبضة من تربة حافر فرس جبريل وقيل : إنه عرف جبريل لأن أمه حين خافت عليه أن يذبح سنة ذبح فرعون أبناء بني إسرائيل خلفته في غابة وكان جبريل يأتيه فيغذيه بأصابعه فكان السامري يمص من إبهام يمينه عسلاً ومن إبهام شماله سمناً فلما رآه حين عبر البحر عرفه فقبض قبضة من أثر فرسه فلم تزل القبضة في يده حتى انطلق موسى إلى الطور وكان السامري سمعهم حين خرجوا من البحر وأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا : يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ووقع في نفسه أن يفتنهم من هذا الوجه وكان بنو إسرائيل استعاروا حلياً كثيرة من قوم فرعون حين أرادوا الخروج من مصر بعلة عرس لهم فأهلك الله تعالى فرعون وبقيت تلك الحلي في يدي بني إسرائيل فلما ذهب موسى إلى المناجاة عد بنو إسرائيل اليوم مع الليلة يومين فلما مضى عشرون يوماً قالوا : قد تم أربعون ولم يرجع موسى إلينا فخالفنا فقال السامري : هاتوا الحلي التي استعرتموها أو أن موسى أمرهم أن يلقوها في حفرة حتى يرجع ويفعل ما يرى فيها فلما اجتمعت الحلي صاغها السامري عجلاً في ثلاثة أيام ثم ألقى فيها القبضة التي أخذها من تراب سنبك فرس جبريل فخرجت عجلاً من ذهب مرصعاً بالجواهر كأحسن ما يكون فصار جسداً له حوار أي : صوت كصوت العجل وله لحم ودم وشعر وقيل : دخل الريح في جوفه من خلفه وخرج من فيه كهيئة الخوار فقال للقوم : هذا إلهكم وإله موسى فنسي أي : أخطأ موسى الطريق وربه هنا وهو ذهب يطلبه فأقبلوا كلهم على عبادة العجل إلا هارون مع اثني عشر ألفاً اتبعوا هارون ولم يتبعه غيرهم وهارون قد نصحهم ونهاهم وقال : يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا : لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى وقيل : كان موسى وعدهم ثلاثين ليلة ثم زيدت العشر وكانت فتنتهم في تلك العشر فلما مضت الثلاثون ولم يرجع موسى وظنوا أنه قد مات ورأوا العجل وسمعوا قول السامري عكفوا على العجل يعبدونه.
قال أبو الليث في "تفسيره" : وهذا الطريق أصح فلما رجع موسى ووجدهم على ذلك ألقى الألواح فرفع من جملتها ستة أجزاء وبقي جزء واحد وهو الحلال والحرام وما يحتاجون وأحرق العجل وذراه في البحر فشربوا من مائه حباً للعجل فظهرت على شفاههم صفرة ورمت بطونهم فتابوا ولم تقبل توبتهم دون أن يقتلوا أنفسهم هذه حالهم وأما هذه الأمة فلا يحتاجون إلى قتل النفس في الصورة وتوبتهم الحقيقية إنما هي الرجوع إلى الله بقتل النفس الأمارة التي تعبد عجل الهوى، قال في "المثنوي" :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٣٤
أي شهان كشتيم ما خصم برون
ماند خصمي زوبتردر اندرونكشتن اين كار عقل وهوش نيست
شير باطن سخره خركوش نيست
نفس ازدرها ست أوكى مرده است
ازغم بي آلتي افسرده استكربيابد آلت فرعون أو
كه بامر أوهمي رفت آب جو
١٣٥
آنكه اوبنياد فرعوني كند
راه صد موسى وصد هارون زند
واعلم أن تعيين عدد الأربعين في الميعاد لاختصاصه في الكمالية وذلك لأن مراتب الأعداد أربع : الآحاد والعشرات والمئات والألوف والعشرة عدد في نفسها كلها كقوله تعالى :﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾ (البقرة : ١٩٦) وإذا ضعفت العشرة أربع مرات وهو كمال مراتب الأعداد تكون أربعين وهو كمال الكمال وهو إعداد أيام تخمير طينة آدم عليه السلام كقوله تعالى :"خمرت طينة آدم بيدي أربعين صباحاً" فللأربعين خاصية وتأثير لم توجد في غيره من الإعداد كما قال صلى الله عليه وسلّم "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك" الحديث كما أن انعقاد الطلسم الجسماني على وجه الكنز الروحاني كان مخصوصاً بالأربعين كذلك انحلاله يكون باختصاص الأربعين سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
وأما اختصاص الليل بالذكر في قوله أربعين ليلة فلمعنيين :


الصفحة التالية
Icon