﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ورد المعتزلة النافين للتوفيق والخلق من الله بقوله :﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ثم تحقيقهما من العبد أن لا يخدم غير الله ولا يسأل إلا من الله حكي عن سفيان الثوري رحمه الله أنه أم قوماً في صلاة المغرب فلما قال :﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ خر مغشياً عليه فلما أفاق قيل له في ذلك فقال : خفت أن يقال فلم تذهب إلى أبواب الأطباء والسلاطين، وفي تخصيص الاستعانة بالتقديم اقتداء بالخليل عليه السلام في قيد النمرود حيث قال له جبريل عليه السلام : هل لك من حاجة؟ فقال : أما إليك فلا فقال : سله قال : حسبي من سؤالي علمه بحالي بل زدت عليه أن الخليل قيد رجلاه ويداه لا غير فأما أنا فقيدت الرجلين فلا أسير واليدين فلا أحركهما وعيني فلا أنظر بهما وأذني فلا أسمع بهما ولساني فلا أتكلم به وأنا مشرف على نار جهنم فكما لم يرض الخليل بغيرك معيناً لا أريد إلا عونك فإياك نستعين وكأنه تعالى يقول : فنحن أيضاً نريد حيث قلنا ثمة يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم وأما أنت فقد نجيناك من النار وأوصلناك إلى الجنة وزدنا سماع الكلام القديم وأمرنا نار جهنم تقول لك جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي.
قال المولى جلال الدين قدس سره :
ز آتش مؤمن ازين رو أي صفي
ميشود دوزخ ضعيف ومنطفي
كويدش بكذر سبك أي محتشم
ورنه ز آتشهاي تو مرد آتشم
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٧
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ بيان المعونة المطلوبة كأنه قيل : كيف أعينك؟ فقالوا : اهدنا الصراط المستقيم وأيضاً أن التعقيب بالدعاء بعد تمام العبادة قاعدة شرعية، قال في "التيسير" :﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ إظهار التوحيد ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ طلب العون عليه وقوله :﴿اهْدِنَا﴾ لسؤال الثبات على دينه وهو تحقيق عبادته واستعانته وذلك لأن الثبات على الهداية أهم الحاجات إذ هو الذي سأله الأنبياء والأولياء كما قال يوسف عليه السلام : توفني مسلماً وسحرة فرعون : توفنا مسلمين، والصحابة : وتوفنا مع الأبرار، وذلك لأنه لا ينبغي أن يعتمد على ظاهر الحال فقد يتغير في المآل كما لإبليس وبرصيصا وبلعام بن باعوراء :
قال المولى جلال الدين قدس سره :
صد هزار إبليس وبلعم درجهان
همجنين بودست بيدا ونهان
أين دورا مشهور كردانيداله
تاكه باشند اين دوير باقي كواه
أين دو درزد آويخت بردار بلند
ورنه اندرقهربس دزدان بدند
وفي "تفسير القاضي" إذا قاله العارف الواصل إلى الله عنى به : أرشدنا طريق السير فيك لتمحو عنا ظلمات أحوالنا وتميط غواشي أبداننا لنستضيء بنور قدسك فنراك بنورك، قال المولى الفناري : ومبناه أن السير في الله غير متناه كما قال قطب المحققين ولا نهاية للمعلومات والمقدورات فما دام معلوم أو مقدور فالشوق للعبد لا يسكن ولا يزول وأصل الهداية أن يُعدى باللام أو إلى فعومل معاملة اختار في قوله تعالى :﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ﴾ (الأعراف : ١٥٥) والصراط المستقيم استعارة عن ملة
٢٠
الإسلام والدين الحق تشبيهاً لوسيلة المقصود بوسيلة القصد أو لمحل التوجه الروحاني بمحل التوجه الجسماني وإنما سمي الدين صراطاً لأن الله سبحانه وإن كان متعالياً عن الأمكنة لكن العبد الطالب لا بد له من قطع المسافات ومس الآفات وتحمل المجافاة ليكرم الوصول والموافاة، ثم في قوله :﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ مع أنه مهتدٍ وجوه، الأول : أن لا بد بعد معرفة الله تعالى والاهتداء بها من معرفة الخط المتوسط بين الإفراط والتفريط في الأعمال الشهوية والغضبية وإنفاق المال والمطلوب أن يهديه إلى الوسط، والثاني : أنه وإن عرف الله بدليل فهناك أدلة أخرى فمعنى اهدنا : عرفنا ما في كل شيء من كيفية دلالته على ذاتك وصفاتك وأفعالك، والثالث : أن معناه بموجب قوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٠


الصفحة التالية
Icon