﴿وَأَنَّ هَـاذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ (الأنعام : ١٥٣) طلب الإعراض عما سوى الله وإن كان نفسه والإقبال بالكلية عليه حتى لو أمر بذبح ولده كإبراهيم عليه السلام أو بأن ينقاد للذبح كإسماعيل عليه السلام أو بأن يرمي نفسه في البحر كيونس عليه السلام أو بأن يتلمذ مع بلوغه أعلى درجات الغايات كموسى عليه السلام أو بأن يصير في الأمر بالمعروف على القتل والشق بنصفين كيحيى وزكريا عليهما السلام فعل وهذا مقام هائل إلا أن في قوله :﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ دون أن يقول صراط الذين ضربوا وقتلوا تيسيراً ما وترغيباً إلى مقام الأنبياء والأولياء من حيث أنعامهم ثم الاستقامة والاعتدالية ثم الثبات عليها أمر صعب ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلّم "شيبتني هود وأخواتها" حيث ورد فيها ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ﴾ (هود : ١١٢) فإن الإنسان من حيث نشأته وقواه الظاهرة والباطنة مشتمل على صفات وأخلاق طبيعية وروحانية ولكل منها طرفا إفراط وتفريط والواجب معرفة الوسط من كل ذلك والبقاء عليه وبذلك وردت الأوامر ونطقت الآيات كقوله تعالى :﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً﴾ (الإسراء : ٢٩) الآية حرضه على الوسط بين البخل والإسراف وكقوله صلى الله عليه وسلّم لمن سأله مستشيراً في الترهب وصيام الدهر وقيام الليل كله بعد زجره إياه :"إن لنفسك عليك حقاً ولزوجك عليك حقاً ولزورك عليك حقاً فصم وأفطر وقم ونم" وهكذا في الأحوال كلها نحو قوله تعالى :﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا﴾ (الإسراء : ١١٠)، ﴿لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَالِكَ قَوَامًا﴾ (الفرقان : ٦٧)، ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾ (النجم : ١٧) ولما رأى صلى الله عليه وسلّم عمر رضي الله عنه يقرأ رافعاً صوته سأله فقال : أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان فقال عليه السلام :"اخفض من صوتك قليلاً" وأتى أبا بكر رضي الله عنه فوجده يقرأ خافضاً صوته فسأله فقال : قد أسمعت من ناجيت فقال عليه السلام :"ارفع من صوتك قليلاً" وهكذا الأمر في باقي الأخلاق فإن الشجاعة صفة متوسطة بين الهور والجبن والبلاغة بين الإيجاز المجحف والإطناف المفرط، وشريعتنا قد تكفلت ببيان ميزان الاعتدال في كل ترغيب وترهيب وحال وحكم وصفة وخلق حتى عينت للمذمومة مصارف إذا استعملت فيها كانت محمودة كالمنعوالبغض، والمستقيم على أقسام منها : مستقيم بقوله وفعله وقلبه ومستقيم بقلبه وفعله دون قوله أي : لم يعلم أحداً ولهذين الفوز والأول أعلى ومستقيم بفعله وقوله دون قلبه وهذا يرجى له النفع بغيره ومنها مستقيم بقوله وقلبه دون فعله ومستقيم بقوله دون فعله وقلبه ومستقيم بقلبه دون قوله وفعله ومستقيم بفعله دون قوله وقلبه وهؤلاء الأربعة عليهم لا لهم وإن كان بعضهم فوق بعض وليس المراد بالاستقامة بالقول ترك الغيبة والنميمة وشبههما فإن الفعل يشمل ذلك
٢١
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٠


الصفحة التالية
Icon