لعل مسقمها يوماً يداويها ثم رفع رأسه إلى السماء وقال : يا مولاي إني غريب في عبادك وذكرك أغرب مني والغريب يألف الغريب ثم ناده رجل وقال : يا شيخ ما العشق؟ قال : ظاهره ما ترى وباطنه دق
١٣٨
عن الورى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٣٤
وفي "التأويلات النجمية" : إن لكل قوم عجلاً يعبدونه من دون الله قوم يعبدون عجل الدراهم والدنانير وقوم يعبدون عجل الشهوات وقوم يعبدون عجل الجاه وقوم يعبدون عجل الهوى وهذا أبغضها على الله فالله تعالى يلهم موسى قلب كل سعيد ليقول : يا قوم ﴿إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُم بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ (البقرة : ٥٤) أي : ارجعوا إلى الله بالخروج عما سواه ولا يمكنكم إلا بقتل النفس ﴿فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ﴾ بقمع الهوى لأن الهوى هو حياة النفس وبالهوى ادعى فرعون الربوبية وعبد بنو إسرائيل العجل وبالهوى أبى واستكبر إبليس أو ارجعوا بالاستنصار على قتل النفس بنهيها عن هواها فاقتلوا أنفسكم بنصر الله وعونه فإن قتل النفس في الظاهر ييسر للمؤمن والكافر فأما قتل النفس في الباطن وقهرها فأمر صعب لا يتيسر إلا لخواص الحق بسيف الصدق وبنصر الحق ولهذا جعل مرتبة الصديقين فوق مرتبة الشهداء وكان النبي صلى الله عليه وسلّم إذا رجع من غزو يقول :"رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" وذلك لأن المجاهد إذا قتل بسيف الكفار يستريح من التعب بمرة واحدة وإذا قتل بسيف الصدق في يوم ألف مرة تحيا كل مرة نفس على بصيرة أخرى وتزداد في مكرها فلا يستريح المجاهد طرفة عين من جهادها ولا يأمن مكرها وبالحقيقة النفس هي صورة مكر الحق ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ﴿ذَالِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ﴾ يعني قتل النفس بسيف الصدق خير لكم لأن بكل قتلة رفعة ودرجة لكم عند بارئكم فأنتم تتقربون إلى الله بقتل النفس وقمع الهوى وهو يتقرب إليكم بالتوفيق للتوبة والرحمة عليكم كما قال :"من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً" وذلك قوله :﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّه هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾، قال "المثنوي" :
عمرا كربكذشت بيخش أين دم است
آب توبش ده اكر اوبي نم است
بيخ عمرت را بده آب حيات
تادرخت عمر كردد باثبات
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٣٤
﴿وَإِذْ قُلْتُمْ﴾ هذا هو الانعام السادس، أي : واذكروا يا بني إسرائيل وقت قول السبعين من أسلافكم الذين اختارهم موسى حين ذهبوا معه إلى الطور للاعتذار عن عبادة العجل وهم غير السبعين الذين اختارهم موسى أول مرة حين أراد الانطلاق إلى الطور بعد غرق فرعون لإتيان التوراة يا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ} لن نصدقك لأجل قولك ودعوتك على أن هذا كتاب الله وأنك سمعت كلامه وأن الله تعالى أمرنا بقبوله والعمل به ﴿حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ أي : عياناً لا ساتر بيننا وبينه كالجهر في الوضوح والانكشاف لأن الجهر في المسموعات والمعاينة في المبصرات ونصبها عن المصدرية لأنها نوع من الرؤية فكأنها مصدر الفعل الناصب أو حال من الفاعل والمعنى حتى نرى الله مجاهرين أو من المفعول والمعنى حتى نرى الله مجاهراً بفتح الهاء ﴿فَأَخَذَتْكُمُ الصَّـاعِقَةُ﴾ هي نار محرقة فيها صوت نازلة من السماء وهي كل أمر مهول مميت أو مزيل للعقل والفهم وتكون صوتاً وتكون ناراً وتكون غير ذلك وإنما أحرقتهم الصاعقة لسؤالهم ما هو مستحيل على الله في الدنيا ولفرط العناد والتعنت، وإنما الممكن أن يرى رؤية منزهة عن الكيفية وذلك للمؤمنين في الآخرة وللأفراد من الأنبياء في بعض الأحوال في الدنيا ﴿وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ﴾ إلى الصاعقة النازلة فإن كانت ناراً فقد عاينوها
١٣٩
وإن كانت صوتاً هائلاً فقد مات بعضهم أولاً ورأى السابقون أنهم ماتوا ويسمى هذا رؤية الموت مجازاً.