قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "لولا بنو إسرائيل لم يخبث الطعام ولم يخنز اللحم ولولا خيانة حواء لم تخن أنثى زوجها الدهر" واستمر النتن من ذلك الوقت لأن البادىء للشيء كالحامل للغير على الإتيان به وكذلك استمرت الخيانة من النساء لأن أم النساء خانت بأن أغواها إبليس قبل آدم حتى أكلت من الشجرة ثم أتت آدم فزينت له ذلك حتى حملته على أن أكل منها فاستمرت تلك الخيانة من بناتها لأزواجها، قال السعدي :
كراخانه آباد وهمخوا به دوست
خدارا برحمت نظر سوى اوست
قال في "الأشباه والنظائر" : الطعام إذا تغير واشتد تغيره تنجس وحرم واللبن والزيت والسمن إذا أنتن لا يحرم أكله انتهى.
والإشارة في الآية أنه تعالى لما أدبهم بسوط الغربة أدركهم بالرحمة
١٤٢
في وسط الكربة فأكرمهم بالإنعام وظللهم بالغمام ومنّ عليهم بالمن وسلاهم بالسلوى فلا شعورهم كانت تطول ولا أظفارهم كانت تنبت ولا ثيابهم كانت تخلق أو تتسخ وتدرن بل كانت تنمو صغارها حسب نمو الصغار والصبيان ولا شعاع الشمس كان ينبسط وكذلك سنته بمن حال بينه وبين اختياره يكون ما اختاره خيراً له مما يختاره العبد لنفسه فما ازدادوا بشؤم الطبيعة إلا الوقوع في البلوى كما قيل :
كلوا من طيبات ما رزقناكم بأمر الشرع وما ظلمونا إذ تصرفوا فيها بالطبع ولكن كانوا أنفسهم يظلمون بالحرص على الدنيا ومتابعة الهوى.
قال في التنوير وما أدخلك الله فيه تولى إعانتك عليه وما دخلت فيه بنفسك وكلك إليه فلا تكفر نعمة الله عليك فيما تولاك به من ذلك.
كان بعضهم يسير في البادية وقد أصابه العطش فانتهى إلى بئر فارتفع الماء إلى رأس البئر فرفع رأسه إلى السماء وقال : أعلم أنك قادر ولكن لا أطيق هذا فلو قيضت لي بعض الأعراب يصفعني صفعات ويسقيني شربة ماء كان خيراً لي ثم إني أعلم أن ذلك الرفق من جهته فقد عرفت أن مكر الله خفي فلا تغرنك النعم الظاهرة والباطنة وليكن عزمك على الشكر والإقامة في حد أقامك الله فيه وإلا فتضل وتشقى.
وقد قال الشيخ أبو عبد الله القرشي من لم يكن كارهاً لظهور الآيات وخوارق العادات منه كراهية الخلق لظهور المعاصي فهي حجاب في حقه وسترها عنه رحمة فالنعمة كما أنها سبب للسعادة كذلك هي سبب للشقاوة استدراجاً، قال في "المثنوي" :
بنده مي نالد بحق ازدرد ونيش
صد شكايت ميكند ازرنج خويش
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤١
حق همي كويدكه آخر رنج ودرد
مرترا لابه كنان وراست كرد
أين كله زان نعمتي كن كت زند
ازدرما دور ومطرودت كند
فلا بد للمؤمن السالك من الفناء عن الذات والصفات والأفعال والدور مع الأمر الإلهي في كل حال حتى يكون من الصديقين وأهل اليقين اللهم لا تؤمنا مكرك ولا تنسنا ذكرك واجعلنا من الذين معك في تقلباتهم وكل معاملاتهم آمين آمين آمين بجاه النبي الأمين.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤١
﴿وَإِذْ قُلْنَا﴾ هذا هو الإنعام الثامن لأنه تعالى أباح لهم دخول البلدة وأزال عنهم التيه أي : اذكروا يا بني إسرائيل وقت قولنا لآبائكم إثر ما أنقذتم من التيه.
﴿ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ﴾ منصوب على الظرفية، أي : مدينة بيت المقدس والقرية بفتح القاف وكسرها ما يجتمع فيه الناس أخذاً من القرى ﴿فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا﴾ أي : أكلاً واسعاً هنيئاً على أن النصب على المصدرية أو هو حال من الواو في كلوا أي : راغدين متوسعين وفيه دلالة على أن المأمور به الدخول على وجه الإقامة والسكنى.
قال في "التيسير" : أي أبحنا لكم ووسعنا عليكم فتعيشوا فيها أنى شئتم بلا تضييق ولا منع وهو تمليك لهم بطريق الغنيمة وذكر الأكل لأنه معظم المقصود.
﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ﴾ أي : باباً من أبواب القرية وكان لها سبعة أبواب والمراد الباب الثاني من بيت المقدس ويعرف اليوم بباب حطة أو باب القبة التي كان يتعبد فيها موسى وهارون ويصليان مع بني إسرائيل إليها ﴿سُجَّدًا﴾ أي : ركعاً منحنين ناكسي رؤوسكم بالتواضع على أن يكون المراد به معناه الحقيقي أو ساجدينتعالى شكراً على إخراجكم من التيه على أن يكون المراد به معناه الشرعي ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ رفع بخبرية المبتدأ المحذوف أي : مسألتنا من الله أن يحط عنا
١٤٣


الصفحة التالية
Icon