ذنوبنا أو نصب أي : حط عنا ذنوبنا حطة وقيل أريد بها كلمة الشهادة أي : قولوا كلمة الشهادة الحاطة للذنوب ﴿نَّغْفِرْ لَكُمْ﴾ مجزوم على أنه جواب الأمر من الغفر وهو الستر أي : نستر عليكم ﴿خَطَايَاكُمْ﴾ جمع خطيئة ضد الصواب أي : ذنوبكم فلا نجازيكم بها لما تفعلون من السجود والدعاء وهم الذين عبدوا العجل ثم تابوا ﴿وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ ثواباً من فضلنا وهم الذين لم يعبدوا العجل والمحسن من أحسن في فعله وإلى نفسه وغيره وقيل المحسن من صحح عقد توحيده وأحسن سياسة نفسه وأقبل على أداء فرائضه وكف شره وقيل هو الفاعل ما يجمل طبعاً ويحمد شرعاً وأخرج ذلك عن صورة الجواب إلى الوعد إيذاناً بأن المحسن بصدد زيادة الثواب وإن لم يقل حطة فكيف إذا قالها واستغفر وأنه يقول ويستغفر لا محالة أمرهم بشيئين بعمل يسير وقول صغير فالعمل الإنحناء عند الدخول والقول التكلم بالمقول ثم وعد عليهما غفران السيئات والزيادة في الحسنات.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٣
﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أي : غيّر الذين ظلموا أنفسهم بالمعصية ما قيل لهم من التوبة والاستغفار ﴿قَوْلا﴾ آخر مما لا خير فيه فأحد مفعولي بدل محذوف ﴿غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ غير نعت لقولا وإنما صرح به مع استحالة تحقق التبديل بلا مغايرة تحقيقاً لمخالفتهم وتنصيصاً على المغايرة من كل وجه.
روي أنهم قالوا مكان حطة حنطة وقيل : قالوا بالنبطية وهي لغتهم حطاً سمقاناً يعنون حنطة حمراء استخفافاً بأمر الله تعالى وقال مجاهد : طوطىء لهم الباب ليخفضوا رؤوسهم فأبوا أن يدخلوا سجداً فدخلوا يزحفون على استاهم مخالفة في الفعل كما بدلوا القول وأما المحسنون ففعلوا ما أمروا به ولذا لم يقل فبدلوا بل قال فبدل الذين ظلموا وظاهره أنهم بدلوا القول وحده دون العمل وبه قال جماعة وقيل : بل بدلوا العمل والقول جميعاً ومعنى قوله :﴿قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ أي : أمراً غير الذي أمروا به فإن أمر الله قول وهو تغيير جميع ما أمروا به ﴿فَأَنزَلْنَا﴾ أي : عقيب ذلك ﴿عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أي : غيروا ما أمروا به ولم يقل عليهم على الاختصار وقد سبق ذكر الذين ظلموا في الآية لأنه سبق ذكر المحسنين أيضاً فلو أطلق لوقع احتمال دخول الكل فيه ثم هذا ليس بتكرار لأن الظلم أعم من الصغائر والكبائر والفسق لا بد وأن يكون من الكبائر فالمراد بالظلم ههنا الكبائر بقرينة الفسق والمراد بالظلم المتقدم هو ما كان من الصغائر ﴿رِجْزًا مِّنَ السَّمَآءِ﴾ أي : عذاباً مقدراً والتنوين للتهويل والتفخيم.
﴿بِمَآ﴾ مصدرية ﴿كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ بسبب خروجهم عن الطاعة والرجز في الأصل ما يعاف ويستكره وكذلك الرجس والمراد به الطاعون.
روي أنه مات في ساعة واحدة أربعة وعشرون ألفاً ودام فيهم حتى بلغ سبعين ألفاً.
وفي الحديث "الطاعون رجز أرسل على بني إسرائيل أو على من كان قبلكم فإذا سمعتم أن الطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها" وفي الحديث أيضاً "أتاني جبريل بالحمى والطاعون فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشأم فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم ورجس على الكافر" واعلم أن من مات من الطاعون مات شهيداً ويأمن فتنة القبر وكذا الصابر في الطاعون إذا مات بغير الطاعون يوقى فتنة القبر لأنه نظير المرابط في سبيل الله تعالى فالمطعون
١٤٤
شهيد وهو من مات من الطاعون والصابر المحتسب في حكمه وكذا المبطون وهو الميت من داء البطن وصاحب الإسهال والاستسقاء داخل في المبطون لأن عقله لا يزال حاضراً وذهنه باقياً إلى حين موته ومثل ذلك صاحب السل وكذا الغرق شهيد وهو بكسر الراء من يموت غريقاً في الماء وكذا صاحب المهدم بفتح الدال ما يهدم وصاحبه من يموت تحته وكذا المقتول في سبيل الله وكذا صاحب ذات الجنب والحرق والمرأة الجمعاء وهي من تموت حاملاً جامعاً ولدها وليس موت هؤلاء كموت من يموت فجأة أو من يموت بالسام أو البرسام والحميات المطبقة أو القولنج أو الحصاة فتغيب عقولهم لشدة الألم ولورم أدمغتهم وإفساد أمزجتها.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٣
واعلم أن الطاعون مرض يكثر في الناس ويكون نوعاً واحداً والوباء وهو المرض العام قد يكون بطاعون وقد لا يكون.
وفي الحديث "فناء أمتي بالطعن والطاعون"(١) قيل : يا رسول الله هذا الطعن قد عرفنا فما الطاعون قال :"وخز أعدائكم من الجن وفي كل شهادة" قال ابن الأثير الطعن القتل بالرمح والوخز طعن بلا نفاذ وهذا لا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام في حديث آخر "غدة كغدة البعير تخرج في مراق البطن" وذلك أن الجني إذا وخز العرق من مراق البطن خرج من وخزة الغدة فيكون وخز الجني سبب الغدة الخارجة والغدة هي التي تخرج في اللحم والمراق أسفل البطن.