تشنه باش الله أعلم بالصواب وعدم الدعاء بكشف الضر مذموم عند أهل الطريقة لأنه كالمقاومة مع الله ودعوى التحمل لمشاقه كما قال الشيخ المحقق ابن الفارض قدس سره :
ويحسن إظهار التجلد للعدى
ويقبح غير العجز عند الأحبة
وفي الحديث "لن تخلو الأرض من أربعين رجلاً مثل خليل الرحمن عليه الصلاة والسلام فبهم تسقون وبهم تنصرون ما مات منهم أحد ألا أبدل الله مكانه آخر".
كرندارى تودم خوش دردعا
رودعا ميخواه ازاخوان صفا وعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال :"ما عام بأمطر من عام ولكنه إذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم فإذا عصوا جميعاً صرف الله ذلك إلى الفيافي".
قال الشيخ الشهير بافتاده أفندي ترقي الطالب برعاية السنن.
وذكر أنه استسقى الناس مراراً في زمن الحجاج فلم ينزل لهم قطرة فقيل لهم : لو دعا شخص لم يترك سنة العصر وسنة الأولى من العشاء لحصل المقصود وإلا لا يحصل وإن دعوتم أربعين مرة فتفقدوا فلم يجدوا شخصاً على الصفة المذكورة فرجع الحجاج إلى نفسه فوجدها على ما ذكر فدعا فنزل مطر عظيم في هذا الحين وحصل المقصود وهذا ببركة رعاية سنة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مع أنه مشهور بالظلم ولا بد في الاستسقاء من تقديم التوبة والصدقة والصوم وأن يجعل صلحاء الناس وسيلة وشفيعاً في ذلك ويستسقي للدواب العطاش والأنعام السائمة والأطفال الضعيفة فلعلهم يسقون ببركتها وليكن الداعي ربه على يقين الإجابة لأن رد الدعاء إما لعجز في إجابته أو لعدم كرم في المدعو أو لعدم علم المدعو بدعاء الداعي وهذه الأشياء منتفية عن الله تعالى فإنه كريم عالم قادر لا مانع له منا لإجابة وهو أقرب إلى المؤمنين منهم يسمع دعاءهم ويقبل تضرعهم والدعاء مهما كان أعم كان إلى الإجابة أقرب فإنه لا بد أن يكون في المسلمين من يستحق
١٤٨
الإجابة فإذا أجاب الله دعاء البعض فهو أكرم من أن يرد الباقي وفي الحديث "ادعوا الله بألسنة ما عصيتموه بها" قالوا : يا رسول الله ومن لنا بتلك الألسنة قال :"يدعو بعضكم لبعض لأنك ما عصيت بلسانه وهو ما عصى بلسانك".
وفي تفسير الفاتحة للفناري : أن استقامة التوجه حال الطلب والنداء عند الدعاء شرط قوي في الإجابة فمن زعم أنه يقصد مناداة زيد وهو يستحضر غيره ثم لم يجد الإجابة فلا يلومن إلا نفسه إذ لم يناد القادر على الإجابة وإنما توجه إلى ما أنشأه من صفات تصوراته بالحالة الغالبة عليه إذ ذاك.
روي أن فرعون قبل دعوى الإلهية أمر أن يكتب على باب داره بسم الله فلما لم يؤمن بموسى قال : إلهي إني أدعوه ولا أرى فيه خيراً قال : لعلك تريد إهلاكه أنت تنظر إلى كفره وأنا إلى ما كتبه على بابه فمن كتبه على سويداء قلبه ستين سنة أولى بالرحمة فإذا كان حال من كتبه على باب داره هكذا فكيف حال من نقشه على باب قلبه يستجاب دعاؤه لا محالة وأول شرائط الإجابة إصلاح الباطن باللقمة الطيبة وآخرها الإخلاص وحضور القلب يعني التوجه الأحدي.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٦
والإشارة في تحقيق الآية أن الروح الإنساني وصفاته في عالم القلب بمثابة موسى وقومه وهو يستسقي ربه ليرويها من ماء الحكمة والمعرفة وهو مأمور بضرب عصا لا إله إلا الله ولها شعبتان من النفي والإثبات تتقدان نوراً عند الاستيلاء ظلمات صفات النفس وقد حملت من جنة حضرة العزة على حجر القلب الذي كالحجارة أو أشد قسوة فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً من ماء الحكمة لأن كلمة لا إله إلا الله اثنا عشر حرفاً من كل حرف عين قد علم كل سبط من أسباط الصفات الإنسانية وهم اثنا عشر سبطاً من الحواس الخمس الظاهرة والحواس الخمس الباطنة والقلب والنفس ولكل واحد منهم مشرب من عين حرف من حروف الكلمة قد علم مشربه ومشرب كل واحد حيث ساقه رائده وقاده قائده فمشرب عذب فرات ومشرب ملح أجاج فالنفوس ترد مناهل المنى والشهوات والقلوب تشرب من مشارب التقى والطاعات والأرواح تشرب من زلال الكشوف والمشاهدات والأسرار تروى من عيون الحقائق بكأس تجلي الصفات عن ساقي وسقاهم ربهم شراب الاضمحلال في حقيقة الذات كلوا واشربوا كل واحد من رزق الله بأمره ورضاه ولا تعثوا في الأرض مفسدين بترك الأمر واختيار الوزر وبيع الدين بالدنيا وإيثار الآخرة على الأولى واختيارهما على المولى كذا في "التأويلات النجمية".
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٦