جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٩
الباهرة التي هي المعجزات الساطعة الظاهرة على يدي موسى عليه السلام مما عاد أو لم يعد وكذبوا بالقرآن ومحمد عليه السلام وأنكروا صفته في التوراة وكفروا بعيسى والإنجيل ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ كشعيب وزكريا ويحيى عليهم السلام وفائدة التقييد مع أن قتل الأنبياء يستحيل أن يكون بحق الإيذان بأن ذلك عندهم أيضاً بغير الحق إذ لم يكن أحد معتقداً بحقية قتل أحدهم عليهم السلام.
فإن قيل : كيف جاز أن يخلي بين الكافرين وقتل الأنبياء.
قيل ذلك كرامة لهم وزيادة في منازلهم كمثل من يقتل في سبيل الله من المؤمنين وليس ذلك بخذلان لهم.
قال ابن عباس والحسن رضي الله عنهم لم يقتل قط من الأنبياء إلا من لم يؤمر بقتال وكل من أمر بقتال نصر فظهر أن لا تعارض بين قوله تعالى :﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّانَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ وقوله :﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا﴾ (غافر : ٥١) وقوله تعالى :﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ﴾ (الصافات : ١٧١ ـ ١٧٢) مع أنه يجوز أن يراد به النصرة بالحجة وبيان الحق وكل منهم بهذا المعنى منصور.
روي أنهم قتلوا في يوم واحد سبعين نبياً، قال في "المثنوي" :
ون سفيهاً نراست اين كار وكيا
لازم آمد يقتلون الأنبيا
انبيارا كفته قوم راه كم
از سفه إنا تطيرنا بكم
﴿ذَالِكَ﴾ أي : ما ذكر من الكفر بالآيات العظام وقتل الأنبياء عليهم السلام ﴿بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾ يتجاوزون أمري ويرتكبون محارمي أي : جرّ بهم العصيان والتمادي في العدوان إلى المشار إليه فإن صغار الذنوب إذا دووم عليها أدت إلى كبارها كما أن مداومة صغار الطاعات مؤدية إلى تحري كبارها وسقم القلب بالغفلة عن الله تعالى منعهم عن إدراك لذاذة الإيمان وحلاوته لأن المحموم ربما وجد طعم السكر مراً فالغفلة سم للقلوب مهلك فنفرة قلوب المؤمنين عن مخالفة الله نفرتك عن الطعام المسموم.
واعلم أنمراداً وللعبد مراداً وما أراد الله خير فقوله : اهبطوا أي : عن سماء التفويض وحسن التدبير منالكم إلى أرض التدبير والاختيار منكم لأنفسكم موصوفين بالذلة والمسكنة لاختياركم مع الله وتدبيركم لأنفسكم مع تدبير الله ولو أن هذه الأمة هي الكائنة في التيه لما قالت مقال بني إسرائيل لشفوف أنوارهم ونفوذ أسرارهم قال تعالى :﴿وَكَذَالِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ (البقرة : ١٤٣) أي : عدلاً خياراً.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٩
وفي "التأويلات" : كما أن بني إسرائيل لم يصبروا على طعام واحد كان ينزل عليهم من السماء وقالوا لموسى من خساسة طبعهم ما قالوا كذلك نفس الإنسان من دناءة همتها لم تصبر على طعام واحد يطعمها ربها الواحد من واردات الغيب كما كان يصبر نفس النبي عليه السلام ويقول :
١٥١