"لست كأحدكم فإني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني" بل يقول لموسى القلب فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض البشرية من بقل الشهوات الحيوانية وقثاء اللذات الجسمانية قال : أتستبدلون الفاني بالباقي اهبطوا مصر القالب السفلي من مقامات الروح العلوي فإن لكم ما سألتم من المطالب الدنيئة وضربت عليهم الذلة والمسكنة كالبهائم والأنعام بل هم أضل لأنهم باؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بالواردات الغيبية والمكاشفات الروحانية بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق أي : يبطلون ما يفتح الله لهم من أنباء الغيب في مقام الأنبياء وينكرون أسرارهم ذلك يعني حصول هذه المقامات منهم بما عصوا ربهم في نقض العهود ببذل المجهود في طاعة المعبود وكانوا يعتدون من طلب الحق في مطالبة ما سواه انتهى باختصار، ثم إن في الآية الكريمة دليلاً على جواز أكل الطيبات والمطاعم المستلذات وكان النبي عليه السلام يحب الحلوى والعسل ويشرب الماء البارد العذب والعدس والزيت طعام الصالحين.
وفي الحديث :"عليكم بالعدس فإنه مبارك مقدس وإنه يرقق القلب ويكثر الدمعة فإنه بارك فيه سبعون نبياً آخرهم عيسى ابن مريم" وكان عمر بن عبد العزيز يأكل يوماً خبزاً بزيت ويوماً بعدس ويوماً بلحم ولو لم يكن فيه فضيلة إلا أن ضيافة إبراهيم عليه السلام في مدينته لا تخلو منه لكان فيه كفاية وهو مما يجفف البدن فيخف للعبادة ولا تثور منه الشهوات كما تثور من اللحم والحنطة وأكل البصل والثوم وماله رائحة كريهة مباح.
وفي الحديث "من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم" والمراد بالملائكة الحاضرون مواضع العبادات لا الملازمون للإنسان في جميع الأوقات ومعنى تأذيهم من هذه الروائح وأنه مخصوص بها أو عام لكل الروائح الخبيثة مما يفوض علمه إلى الشارع وهذا التعليل يدل على أنه لا يدخل المسجد وإن كان خالياً من الإنسان لأنه محل الملائكة قال عليه السلام :"إن كنتم لا بد لكم من أكلها فأميتوها طبخاً" وقاس قوم على المساجد سائر مجامع الناس وعلى أكل الثوم ما معه رائحة كريهة كالبخر وغيره وإنما كره النبي عليه صلى الله عليه وسلّم أكل البصل ونحوه لما أنه يأتيه الوحي ويناجي الله تعالى ولكن رخص للسائر ويقال كان آخر ما أكله النبي صلى الله عليه وسلّم البصل إيذاناً لأمته بإباحته والعزيمة أن يقتدي الرجل في أقواله وأفعاله وأحواله برسول الله صلى الله عليه وسلّم قال المولى الجامي :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٩
يا نبي الله السلام عليك
إنما الفوز والفلاح لديك
كر نرفتم طريق سنت تو
هستم از عاصيان امت تو
مانده ام زير بار عصيان بست
افتم از اي اكرنكيري دست
﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ بألسنتهم من غير مواطأة القلوب وهم المنافقون بقرينة انتظامهم في سلك الكفرة والتعبير عنهم بذلك دون عنوان النفاق للتصريح بأن تلك المرتبة وإن عبر عنها بالإيمان لا تجديهم نفعاً أصلاً ولا تنقذهم من ورطة الكفر قطعاً.
﴿وَالَّذِينَ هَادُوا﴾ أي : تهودوا من هاد إذا دخل في اليهودية.
ويهود إما عربي من هاد إذا تاب سموا بذلك
١٥٢


الصفحة التالية
Icon