حين تابوا من عبادة العجل وخصوا به لما كانت توبتهم توبة هائلة وإما معرب يهودا كأنهم سموا باسم أكبر أولاد يعقوب عليه السلام ويقال إنما سمي اليهود يهودا لأنهم إذا جاءهم رسول أو نبي هادوا إلى ملكهم فدلوه عليه فيقتلونه ﴿وَالنَّصَارَى﴾ جمع نصران كندامى جمع ندمان سمي بذلك لأنهم نصروا المسيح عليه السلام أو لأنهم كانوا معه في قرية يقال لها ناصرة فسموا باسمها أو لاعتزائهم إلى نصرة وهي قرية كان ينزلها عيسى عليه السلام.
﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ من صبأ إذا خرج من الدين وهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الكواكب والملائكة فكانوا كعبدة الأصنام وإن كانوا يقرؤون الزبور لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم وجاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : لم يسمى الصابئون صابئين فقال عليه السلام :"لأنهم إذا جاءهم رسول أو نبي أخذوه وعمدوا إلى قدر عظيم فأغلوه حتى إذا كان محمى صبوه على رأسه حتى ينفسخ" كذا في "روضة العلماء" ﴿مِّنْ﴾ مبتدأ خبره فلهم أجر عظيم والجملة خبران ﴿مِن﴾ من هؤلاء الكفرة ﴿بِاللَّهِ﴾ وبما أنزل على جميع النبيين ﴿وَالْيَوْمِ الاخِرِ﴾ وهو يوم البعث أي : من أحدث منهم إيماناً خالصاً بالمبدأ والمبدأ والمعاد على الوجه اللائق ودخل في ملة الإسلام دخولاً أصيلاً ﴿وَعَمِلَ﴾ عملاً ﴿صَالِحًا﴾ مرضياً عند الله ﴿فَلَهُمْ﴾ بمقابلة تلك والفاء للسببية ﴿أَجْرُهُمْ﴾ الموعود لهم ﴿عِندَ رَبِّهِمْ﴾ أي : مالك أمرهم ومبلغهم إلى كمالهم اللائق وعند متعلق بما تعلق به لهم من معنى الثبوت أخبر أن هؤلاء إذا آمنوا وعملوا الصالحات لم يؤاخذوا بتقديم فعلهم ولا بفعل آبائهم ولا ينقصون من ثوابهم.
﴿وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ عطف على جملة فلهم أجرهم أي : لا خوف عليهم حين يخاف الكفار العقاب.
﴿وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ حين يحزن المقصرون على تضييع العمر وتفويت الثواب والمراد بيان دوام انتفائهما وتلخيصه من أخلص إيمانه وأصلح عمله دخل الجنة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٩
واعلم أن هذا الدين الحق حسنه موجود في النفوس وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية والتقليد فكل مولود إنما يولد في مبدأ الخلقة وأصل الجبلة على الفطرة السليمة والطبع المتهيىء لقبول الدين فلو ترك عليها استمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها كما قال عليه السلام :"ما من مولود إلا وقد يولد على فطرة الإسلام ثم أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه" قال ابن الملك في "شرح المشارق" : المراد بالفطرة قولهم بلى حين قال الله تعالى :﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ (الأعراف : ١٧٢) فلا مخالفة بين هذا الحديث وبين قوله عليه السلام :"إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً" والتحقيق إن الله تعالى لما أخرج ذرية آدم من ظهره وقال : ألست بربكم آمنوا كلهم لمشاهدتهم الحق بالمعاينة لكن لم ينفع إيمان الأشقياء لكونهم لم يؤمنوا من قبل فاختلط السعيد والشقي ولم يفرق بينهما في هذا العالم ثم إنهم إذ أنزلوا في بطون الأمهات تميز السعيد من الشقي لأن الكاتب لا ينظر إلى عالم الإقرار بل ينظر إلى ما في علم الله تعالى من أحوال الممكن من السعادة والشقاوة وغيرهما وإذا ولدوا يولدون على فطرة الإسلام وهي فطرة بلى فههنا أربعة مقامات :
الأول : علم الله وهو البطن المعنوي ويقال له في اصطلاح الصوفية بطن الأم وأم الكتاب.
والثاني : مقام بلى ويقال له مولود
١٥٣
معنوي.
والثالث : بطن الأم الصوري.


الصفحة التالية
Icon