والرابع : مولود صوري وهو صورة المولود المعنوي لذلك لا يتميز السعيد من الشقي فيه كما لا يتميز في عالم ألست والبطن الصوري صورة علم الله لذلك يتميز السعيد من الشقي فيها فظهر لك معنى حديث النبي عليه السلام :"السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه" ومعنى الخبر الآخر "السعيد قد يشقى والشقي قد يسعد" ومعنى الحديث "كل مولود يولد على فطرة الإسلام" كذا حققه الشيخ بالي الصوفيوي قدس سره.
يقول الفقير جامع هذه المجالس النفيسة قال شيخي العلامة أبقاه الله بالسلامة في كتابه المسمى "باللائحات البرقيات" : لاح ببالي أن المراد ببطن الأم على مشرب أهل التحقيق هو باطن الغيب المطلق الذاتي الأحدي يعني السعيد سعيد في باطن الغيب المطلق أزلاً وفي ظاهر الشهادة المطلقة أبداً ولم تتداخل الشقاوة في واحد منهما أصلاً والشقي شقي في باطن الغيب المطلق أزلاً وفي ظاهر الشهادة المطلقة أبداً ولم تتداخل السعادة في واحد منهما أصلاً إلا أن السعيد قد تتداخله الشقاوة والشقي قد تتداخله السعادة في البرزخ الجامع بينهما فيكون السعيد الشقي سعيداً بالسعادة الذاتية وشقيا بالشقاوة العارضية والشقي السعيد شقياً بالشقاوة الذاتية وسعيداً بالسعادة العارضية والسبق في الغاية للذاتي دون العارضي ويغلب حكم الذاتي على حكم العارضي ويختم به كما بدىء به ويختم آخر نفس الشقي بالشقاوة العارضية بالسعادة الذاتية وتزول شقاوته العارضية ويدخل في زمرة السعداء أبداً ويختم آخر نفس السعيد بالسعادة العارضية بالشقاوة الذاتية وتزول سعادته العارضية ويدخل في زمرة الأشقياء أبداً وإلى هذا التداخل والعروض البرزخي أشار بقوله السعيد قد يشقى والشقي قد يسعد والتبدل في العارضي لا في الذاتي والاعتبار بالذاتي لا العارضي انتهى فمن انشرح قلبه بنور الله فقد آمن بالله لا بالتقليد والرسم والعادة والاقتداء بالآباء وأهل البلد فلا خوف عليهم من حجب الأنانية ولا هم يحزنون بالاثنينية لأنهم الواصلون إلى نون الوحدة والهوية.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٩
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ تذكير لجناية أخرى لأسلاف بني إسرائيل أي : اذكروا يا بني إسرائيل وقت أخذنا لعهد آبائكم بالعمل على ما في التوراة وذلك قبل التيه حين خرجوا مع موسى من مصر ونجوا من الغرق.
﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾ كأنه ظلة حتى قبلتم وأعطيتم الميثاق والطور الجبل بالسريانية وذلك أن موسى عليه السلام جاءهم بالألواح فرأوا ما فيها من الآصار والتكاليف الشاقة فكبرت عليهم وأبوا قبولها فأمر جبريل فقلع الطور من أصله ورفعه وظلله فوقهم وقال لهم موسى : إن قبلتم وإلا ألقي عليكم فلما رأوا أن لا مهرب لهم منها قبلوا وسجدوا وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود لئلا ينزل عليهم فصارت عادة في اليهود لا يسجدون إلا على أنصاف وجوههم ويقولون بهذا السجود رفع عنا العذاب ثم رفع الجبل ليقبلوا التوراة لم يكن جبراً على الإسلام لأن الجبر ما يسلب الاختيار وهو جائز كالمحاربة مع الكفار وأما قوله تعالى :﴿لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ﴾ (البقرة : ٢٥٦) وأمثاله فمنسوخ بالقتال.
قال ابن عطية والذي لا يصح سواه أن الله جبرهم وقت سجودهم على الإيمان لأنهم آمنوا كرهاً وقلوبهم غير مطمئنة بذلك ﴿خُذُوا﴾ على إرادة القول أي : فقلنا لهم خذوا ﴿مَا فِيهِ﴾ من الكتاب ﴿بِقُوَّةٍ﴾ بجد وعزيمة ومواظبة ﴿وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾ أي : احفظوا ما في الكتاب وادرسوه ولا تنسوه
١٥٤
ولا تغفلوا عنه ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ رجاء منكم أن يكونوا متقين.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٤٩