﴿قَالُوا﴾ كأنه قيل ماذا صنعوا بعد هذا البيان الثاني والأمر المكرر فقيل : قالوا ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا﴾ من الألوان حتى تتبين لنا البقرة المأمور بها واللون عرض مشاهد يتعاقب على بعض الجواهر ﴿قَالَ﴾ موسى عليه السلام بعد المناجاة إلى الله تعالى ومجيء البيان ﴿أَنَّهُ﴾ الله تعالى ﴿يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ﴾ والصفرة لون بين البياض والسواد وهي الصفرة المعروفة وليس المراد بها هنا السواد كما في قوله تعالى :﴿كَأَنَّه جِمَالَتٌ صُفْرٌ﴾ (المرسلات : ٣٣) أي : سود والتعبير عن السواد بالصفرة لما أنها من مقدماته وإما لأن سواد الإبل يعلوه صفرة ﴿فَاقِعٌ لَّوْنُهَا﴾ مبتدأ وخبر والجملة صفة البقرة والفقوع نصوع الصفرة وخلوصها يقال في التأكيد أصفر فاقع كما يقال أسود حالك وفي إسناده إلى اللون مع كونه
١٥٩
من أحوال الملون لملابسته به ما لا يخفى من فضل تأكيد كأنه قيل صفراء شديدة الصفرة صفرتها كما في جد جده قيل : كانت صفراء الكل حتى القرن والظلف ﴿تَسُرُّ النَّاظِرِينَ﴾ إليها يعجبهم حسنها وصفاء لونها ويفرح قلوبهم لتمام خلقتها ولطافة قرونها وأظلافها والسرور لذة في القلب عند حصول نفع أو توقعه.
وعن علي رضي الله تعالى عنه من لبس نعلاً صفراء قل همه لأن الله تعالى يقول تسر الناظرين.
ونهى ابن الزبير ومحمد بن كثير عن لباس النعال السود لأنها تهم وذكر أن الخف الأحمر خف فرعون والخف الأبيض خف وزيره هامان والخف الأسود خف العلماء وروى أن خف النبي عليه السلام كان أسود.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٥٩
﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ﴾ أسائمة هي أم عاملة.
وفي "الكشاف" : هذا تكرير للسؤال عن حالها وصفتها واستكشاف زائد ليزدادوا بياناً لوصفها والاستقصاء شؤم.
وعن عمر بن عبد العزيز إذا أمرتك أن تعطي فلاناً شاة سألتني أضائن أم ماعز فإن بينت لك قلت : أذكر أم أنثى فإن أخبرتك قلت : أسوداء أم بيضاء فإذا أمرتك بشيء فلا تراجعني وفي الحديث "أعظم الناس جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم لأجل مسألته" ﴿إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾ أي : جنس البقر الموصوف بالتعوين والصفرة كثير فاشتبه علينا أيها نذبح فذكر البقر لإرادة الجنس أو لأن كل جمع حروفه أقل من واحده جاز تذكيره وتأنيثه ﴿وَإِنَّآ إِن شَآءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾ إلى البقرة المراد ذبحها وفي الحديث "لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد".
﴿قَالَ﴾ موسى ﴿أَنَّهُ﴾ تعالى ﴿يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ﴾ مذللة ذللها العمل يقال دابة ذلول بينة الذل بالكسر وهو خلاف الصعوبة وهو صفة لبقرة بمعنى غير ذلول ولم يقل ذلولة لأن فعولاً إذا كان وصفاً لم تدخله الهاء كصبور ﴿تُثِيرُ الارْضَ﴾ أي : تقلبها للزراعة وهي صفة ذلول كأنه قيل لا ذلول مثيرة ﴿وَلا تَسْقِى الْحَرْثَ﴾ أي : ليست بسانية يسقى عليها بالسواقي ولا الأولى للنفي والثانية مزيدة لتوكيد الأولى لأن المعنى لا ذلول تثير وتسقى على أن الفعلين صفتان لذلول كانه قيل : لا ذلول مثيرة وساقية كذا في "الكشاف".
قال الإمام أبو منصور رحمه الله دلت الآية على أن البقرة كانت ذكراً لأن إثارة الأرض وسقي الحرث من عمل الثيران وأما الكنايات الراجعة إليها على التأنيث فللفظها كما في قوله وقالت طائفة فالتاء للتوحيد لا للتأنيث خلافاً لأبي يوسف إلا أن يكون أهل ذلك الزمان يحرثون بالأنثى كما يحرث أهل هذا الزمان بالذكر ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ أي : سلمها الله من العيوب أو معفاة من العمل سلمها أهلها منه أو مخلصة اللون من سلم له كذا إذا خلص له لم يشب صفرتها شيء من الألوان ويؤيده قوله تعالى :﴿لا شِيَةَ فِيهَا﴾ يخالف لون جلدها فهي صفراء كلها حتى قرنها وظلفها والأصل وشية كالعدة والصفة والزنة أصلها وعد ووصف ووزن واشتقاقها من وشى الثوب وهو استعمال ألوان الغزل في نسجه ﴿قَالُوا﴾ عندما سمعوا هذه النعوت ﴿الْآنَ﴾ أي : هذا الوقت بني لتضمنه معنى الإشارة ﴿جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾ أي : بحقيقة وصف البقرة وما بقي إشكال في أمرها ﴿فَذَبَحُوهَا﴾ الفاء فصيحة أي : فحصلوا البقرة الجامعة لهذه الأوصاف كلها بأن وجدوها مع الفتى فاشتروها بملء مسكها ذهباً فذبحوها ﴿وَمَا كَادُوا﴾ أي : وما قربوا ﴿يَفْعَلُونَ﴾ والجملة حال من ضمير ذبحوا أي : فذبحوها والحال أنهم كانوا قبل ذلك بمعزل منه.
تلخيصه
١٦٠
ذبحوها بعد توقف وبطء قيل : مضى من أول الأمر إلى الامتثال أربعون سنة فعلى العاقل أن يسارع إلى الامتثال وترك التفحص عن حقيقة الحال فإن قضية التوحيد تستدعي ذلك، قال في "المثنوي" :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٥٩
تاخيال دوست در اسرار ماست
اكرى وجان سارى كار ماست