تستخرج الحمد من أقصى القلب ثم يقول اللهم جدد اللعن على يزيد ويكف اللسان عن معاوية تعظيماً لمتبوعه وصاحبه عليه السلام لأنه كاتب الوحي وذو السابقة والفتوحات الكثيرة وعامل الفاروق وذي النورين لكنه أخطأ في اجتهاده فتجاوز الله عنه ببركة صحبة سيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم.
قال الخياط المتكلم ما قطعني إلا غلام قال ما تقول في معاوية قلت : أنا أقف فيه قال : فما تقول في ابنه يزيد قلت : ألعنه قال : فما تقول فيمن يحبه قلت ألعنه قال : أفترى أن معاوية كان لا يحب ابنه كذا في "روضة الأخبار".
ثم اعلم أن اللعنة ترتد على اللاعن إن لم يكن الملعون أهلاً لذلك ولعن المؤمن كقتله في الاسم وربما يلعن شيئاً من ماله فتنزع منه البركة فلا يلعن شيئاً من خلق الله لا للجماد ولا للحيوان ولا للإنسان قال عليه السلام :"إذا قال العبد لعن الله الدنيا قالت الدنيا لعن الله أعصانا لربه" فالأولى أن يترك ويشتغل بدله بالذكر والتسبيح إذ فيه ثواب ولا ثواب في اللعن وإن كان يستحق اللعن قال عليه السلام :"أريت النار وأكثر أهلها النساء فإنهن يكثرن اللعن ويكفرن العشير فلو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم إذا رأت منك شيئاً قالت : ما رأيت منك خيراً قط" قال على كرم الله وجهه : من أفتى الناس بغير علم لعنته السماء والأرض وسألت بنت على البلخي أباها عن القيء إذا خرج إلى الحلق فقال : يجب إعادة الوضوء فرأى رسول الله عليه السلام يقول : لا يا علي حتى يكون ملء الفم فقال : علمت أن الفتوى تعرض على رسول الله فآليت على نفسي أن لا أفتي أبداً كذا في "الروضة".
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٧٩
﴿بِئْسَمَا﴾ ما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس أي : بئس شيئاً ﴿اشْتَرَوُا﴾ صفة واشترى بمعنى باع وابتاع والمراد هنا الأول ﴿بِهِ﴾ أي : بذلك الشيء ﴿أَنفُسَهُمْ﴾ المراد الإيمان وإنما وضع الأنفس موضع الإيمان إيذاناً بأنها إنما خلقت للعلم والعمل به المعبر عنه بالإيمان ولما بدلوا الإيمان بالكفر كانوا كأنهم بدلوا الأنفس به والمخصوص بالذم قوله تعالى :﴿أَن يَكْفُرُوا بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ﴾ أي : بالكتاب المصدق لما معهم بعد الوقوف على حقيقته ﴿بَغْيًا﴾ علة لأن يكفروا أي : حسداً وطلباً لما ليس لهم كما أن الحاسد يطلب ما ليس له لنفسه مما للمحسود من جاه أو منزلة أو خصلة حميدة والباغي هو الظالم الذي يفعل ذلك عن حسده والمعنى بئس شيئاً باعوا به إيمانهم كفرهم المعلل بالبغي الكائن لأجل ﴿أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ﴾ أو حسداً على أن فإن الحسد يستعمل بعلى ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ الذي هو الحي ﴿عَلَى مَن يَشَآءُ﴾ أي : يشاؤه ويصطفيه ﴿مِنْ عِبَادِهِ﴾ المستأهلين لتحمل أعباء الرسالة والمراد ههنا محمد صلى الله عليه وسلّم كانت اليهود يعتقدون نبي آخر الزمان ويتمنون خروجه وهم يظنون أنه من ولد إسحاق فلما ظهر أنه من ولد إسماعيل حسدوه وكرهوا أن يخرج الأمر من بني إسرائيل فيكون لغيرهم أي : رجعوا ملتبسين ﴿بِغَضَبٍ﴾ كائن ﴿عَلَى غَضَبٍ﴾ أي : صاروا مستحقين لغضب مترادف ولعنة إثر لعنة حسبما اقترفوا من كفر على كفر فإنهم كفروا بنبي الحق وبغوا عليه ﴿وَلِلْكَـاـفِرِينَ﴾ أي : لهم والإظهار في موضع الإضمار للإشعار بعلية كفرهم لما حاق بهم ﴿عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ يراد به إهانتهم وإذلالهم لما أن كفرهم بما أنزل الله كان مبنياً على الحسد المبني على طمع النزول عليهم وادعاء
١٨٠
الفضل على الناس والاستهانة بمن أنزل الله عليه صلى الله عليه وسلّم ودل أن عذاب المؤمنين تأديب وتطهير وعذاب الكفار إهانة وتشديد وأن المراتب الدنيوية والأخروية كلها من فيض الله تعالى وفضله فليس لأحد أن يعترض عليه ويحسده على الألطاف الإلهية فإن الكمالات مثل النبوة والولاية ليست من الأمور الاكتسابية التي يصل إليها العبد بجهد كثير وكمال اهتمام أما النبوة، أي : البعثة فاختصاص إلهي حاصل لعينه الثابتة من التجلي الموجب للأعيان في العلم وهو الفيض الأقدس وأما الولاية فهو أيضاً اختصاص إلهي غير كسبي بل جميع المقامات كذلك اختصاصية عطائية غير كسبية حاصلة للعين الثابتة من الفيض الأقدس وظهوره بالتدريج بحصول شرائطه وأسبابه يوهم المحجوب فيظن أنه كسبي بالتعمل وليس كذلك في الحقيقة فلا معنى للحسد لكن الجاهلين بحقيقة الحال يطيلون ألسنتهم بالقيل والقال ولا ضير فإنه رفع لدرجات العبد واقتضت سنة الله أن يشفع أهل الجمال بأهل الجلال ليظهر الكمال، قال الحافظ :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٧٩
درين من كل بيخار كس بيد آرى
راغ مصطفوي باشرار بولهبيست


الصفحة التالية
Icon