ـ وحكي ـ أن المولى جلال الدين : لمَّا فقد الشمس التبريزي طاف البلاد بالحرارة في طلبه فمر يوماً أمام حانوت ذهبي للشيخ صلاح الدين زركوب فقال له تعالى يا مولانا فدخل في حانوته فقال : لأي شيء تجزع وتدور؟ قال : الفلك إذا فقد شمسه يدور لأجله ليتخلص من ظلمة الفراق فقال الشيخ : أنا شمسك قال مولانا : من أين أعرف أنك شمسي فأخبره عن المراتب التي أوصله إليها الشيخ شمس الدين فقبل يده واعتذر فقال : كان شمسي أراني أولاً بطانته فالآن أراني وجهه فاشتغل عنده فوصل إلى ما وصل ثم لما سمعه بعض أتباع مولانا أرادوا قتله وحسدوا عليه فأرسل إليه مولانا ابنه سلطان ولد فقال الشيخ : إن الله تعالى أعطاني قدرة على قلب السماء إلى الأرض فلو أردت لأهلكتهم بقدرة الله لكن الأولى أن نتحمل وندعو لإصلاح حالهم فدعا الشيخ فأمن سلطان ولد فلانت قلوبهم واستغفروا، قال في "المثنوي" :
ون كنى بربي حسد مكر وحسد
زان حسد دل را سياهيها رسد
خاك شو مردان حق را زير ا
خاك برسركن خسدرا هموما
وهكذا أحوال الأنبياء والأولياء ألا يرى إلى قوله عليه الصلاة والسلام :"اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون" وكان الأصحاب رضي الله عنهم يبكون دماً من أخلاق النفس ولا يزالون يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلّم عما به يتخلصون من الأوصاف الذميمة ويتطهرون ظاهراً وباطناً طلباً للنجاة من العذاب المهين وأشده الفراق.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٧٩
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ أي : وإذا قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليهود أهل المدينة ومن حولها ومعنى اللام الإنهاء والتبليغ ﴿بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا﴾ من الكتب الإلهية جميعاً ﴿قَالُوا نُؤْمِنُ﴾ أي : نستمر على الإيمان ﴿بِمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا﴾ يعنون به التوراة وما أنزل على أنبياء بني إسرائيل لتقرير حكمها ويدسون فيه أن ما عدا ذلك غير منزل عليهم وأسندوا الإنزال على أنفسهم لأن المنزل على نبي منزل على أمته معنى لأنه يلزمهم هم ﴿وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُ﴾ أي : سوى ما أنزل ﴿وَهُوَ﴾
١٨١
أي : والحال إن ما وراء التوراة ﴿الْحَقِّ﴾ أي : المعروف بالحقية الحقيق بأن يخص به اسم الحق على الإطلاق ﴿مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَهُمْ﴾ من التوراة غير مخالف له حال مؤكدة من الحق والعامل فيها ما في الحق من معنى الفعل وصاحب الحال ضمير دل عليه الكلام أي : أحقه مصدقاً أي : حال كونه موافقاً لما معهم وفيه رد لمقالتهم لأنهم إذا كفروا بما يوافق التوراة فقد كفروا بها ثم اعترض عليهم بقتلهم الأنبياء مع ادعائهم الإيمان بالتوراة والتوراة لا تسوغ قتل نبي بقوله تعالى :﴿قُلْ﴾ يا محمد تبكيتاً لهم من جهة الله تعالى ببيان التناقض بين أقوالهم وأفعالهم ﴿فَلِمَ﴾ أصله لما لامه للتعليل دخلت على ما التي للاستفهام وسقطت الألف فرقاً بين الاستفهامية والخبرية ﴿تَقْتُلُونَ أَنابِيَآءَ اللَّهِ مِن قَبْلُ﴾ صيغة الاستقبال لحكاية الحال الماضية وهو جواب شرط محذوف أي : قل لهم إن كنتم مؤمنين بالتوراة كما تزعمون فلأي شيء تقتلون أنبياء الله من قبل وهو فيها حرام وأسند فعل الآباء وهو القتل إلى الأبناء للملابسة بين الآباء والأبناء.
قال أبو الليث في "تفسيره" : وفي الآية دليل على أن من رضي بالمعصية فكأنه فاعل لها لأن اليهود كانوا راضين بقتل آبائهم فسماهم الله قاتلين حيث قال : قل فلم تقتلون الآية ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ جواب الشرط محذوف لدلالة ما سبق عليه أي : إن كنتم مؤمنين فلم تقتلونهم وهو تكرير للاعتراض لتأكيد الإلزام وتشديد التهديد.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٨١
﴿وَلَقَدْ جَآءَكُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَـاتِ﴾ من تمام التبكيت والتوبيخ داخل تحت الأمر واللام للقسم أي : بالله قد جاءكم موسى ملتبساً بالمعجزات الظاهرة من العصا واليد وفلق البحر ونحو ذلك ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ أي : إلهاً ﴿مِنا بَعْدِهِ﴾ أي : من بعد مجيئه بها وثم للتراخي في الرتبة والدلالة على نهاية قبح ما فعلوا ﴿وَأَنتُمْ ظَـالِمُونَ﴾ حال من ضمير اتخذتم أي : عبدتم العجل وأنتم واضعون العبادة في غير موضعها.
﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَـاقَكُمْ﴾ أي : العهد منكم ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾ أي : الجبل قائلين لكم ﴿خُذُوا مَآ ءَاتَيْنَـاكُم بِقُوَّةٍ﴾ أي : بجد واجتهاد ﴿وَاسْمَعُوا﴾ ما في التوراة سماع قبول وطاعة ﴿قَالُوا﴾ كأنه قيل فماذا قالوا؟ فقيل قالوا :﴿سَمِعْنَا﴾ قولك ولكن لا سماع طاعة ﴿وَعَصَيْنَا﴾ أمرك ولولا مخافة الجبل ما قبلنا في الظاهر فإذا كان حال أسلافهم هكذا فكيف يتصور من أخلافهم الإيمان، قال الفردوسي :
زبد كوهران بدنبا شد عجب
سياهي نشايد بريدن زشت
زيد اصل شم بهي داشتن
بود خاك درديده انباشتن
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٨١


الصفحة التالية
Icon