سنة وافتضضت اثني عشر ألف جارية وبنيت أربعين ألف مدينة وخرجت بالجور والعنف والحمق عن حد الإنصاف وكان يحمل مفاتح الخزائن أربعمائة بغل وكان يحمل إلى خراج الدنيا فلم ينازعني أحد من أهل الدنيا فادعيت الربوبية فأصابني الجوع حتى طلبت كفاً من ذرة بألف قفيز من در فلم أقدر عليه فمت جوعاً يا أهل الدنيا اذكروا أمواتكم ذكراً كثيراً واعتبروا بي ولا تغرنكم الدنيا كما غرتني فإن أهلي لم يحملوا من وزري شيئاً انتهى، قال السعدي :
ون همه نيك وبد ببايد مرد
خنك آنكس كه كوى نيكى برد
برك عيشي بكور خويش فرست
كس نيارد زس زيش فرست
عمر برفست آفتاب تموز
اندكى ماند وخواجه غره هنوز
فعلى أهل القلوب القاسية أن يعالجوا قلوبهم بأمور :
أحدها : الإقلاع عما هي عليه بحضور مجالس العلم والوعظ والتذكير والتخفيف والترغيب وأخبار الصالحين فإن ذلك مما يلين القلوب وينجح فيها.
والثاني : ذكر الموت فيكثر من ذكرها ذم اللذات ومفرق الجماعات وميتم البنين والبنات.
والثالث : مشاهدة المحتضرين فإن في النظر إلى الميت ومشاهدة سكراته ونزعاته وتأمل صورته بعد مماته ما يقطع عن النفوس لذاتها ويطرد عن القلوب مسراتها ويمنع الأجفان من النوم والراحة من الأبدان ويبعث على العمل فيزيد في الاجتهاد والتعب ويستعد للموت قبل النزول فإنه أشد الشدائد.
قيل لكعب الأحبار : يا كعب حدثنا عن الموت قال : هو كشجرة الشوك ادخلت في جوف ابن آدم فأخذت كل شوكة بعرق ثم اجتذبها رجل شديد الجذب فقطع ما قطع وأبقى ما أبقى.
وفي الحديث "لو أن شعرة من وجع الميت وضعت على أهل السماوات والأرضين لماتوا أجمعين وإن في يوم القيامة لسبعين هولاً وإن أدنى هول ليضعف على الموت سبعين ضعفاً".
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٨٤
﴿قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ﴾ لما قدم النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة أتاه عبد الله بن صوريا من اليهود بسكن فدك فقال : يا محمد كيف نومك؟ فإنا أخبرنا عن نوم النبي الذي يجيء في آخر الزمان فقال النبي صلى الله عليه وسلّم "تنام عيناي وقلبي يقظان" قال : صدقت فأخبرني عن الولد أمن الرجل يكون أو من المرأة؟ قال :"أما العظم والعصب والعروق فمن الرجل وأما الدم واللحم والظفر والشعر فمن المرأة" قال : صدقت يا محمد قال : فما بال الولد يشبه أعمامه ليس فيه من شبه أخواله شيء أو يشبه أخواله ليس فيه من شبه أعمامه شيء؟ قال :"أيهما علا ماؤه ماء صاحبه كان الشبه له" قال : صدقت يا محمد وسأله عن الطعام الذي حرم إسرائيل على نفسه قال :"إن يعقوب مرض مرضاً شديداً فنذر إن شفاه الله حرم على نفسه أحب الطعام إليه وهو لحم الإبل وأحب الشراب إليه وهو ألبانها" قال : صدقت يا محمد وسأله عن أول نزل الجنة قال :"الحوت" قال : صدقت يا محمد ثم قال : بقيت خصلة إن قلتها آمنت بك واتبعتك أي : ملك يأتيك بما تقول من الله تعالى؟ فقال :"جبريل" قال ذاك عدونا لأنه ملك العذاب ينزل بالقتال والعذاب وكسر السفن والشدائد ورسولنا ميكائيل لأنه ملك الرحمة ينزل بالغيث والبشر والرخاء فقال له عمر : ما بدء عداوتكم له فقال : عادانا مراراً كثيرة وكان من أشد عداوته لنا أن الله تعالى أنزل على نبينا موسى عليه السلام أن البيت المقدس سيخرب
١٨٧
في زمان رجل يقال له بخت نصر وأخبرنا بالحين الذي يخرب فيه فلما كان الحين الذي يخرب فيه بعثنا رجلاً من أقوياء بني إسرائيل في طلبه فانطلق حتى لقيه غلاماً مسكيناً ببابل ليست له قوة فأخذه ليقتله فدفع عنه جبريل وقال لصاحبنا إن هو أمره بهلاككم لا يسلطكم عليه وإن لم يكن هذا فعلى أي : حق تقتلونه فصدقه صاحبنا فتركه وكبر بخت نصر وقوي فملك ثم غزانا فخرب بيت المقدس وقتلنا وأمر جبريل بوضع النبوة فينا فوضعها في غيرنا فلهذا اتخذناه عدواً وميكائيل عدو جبريل فقال عمر رضي الله عنه لئن كانا كما تقولون فما هما بعدوين ولأنتم أكفر من الحمير ومن كان عدواً لأحدهما كان عدواً للآخر ومن كان عدواً لهما كان عدواًتعالى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٨٧


الصفحة التالية
Icon