وجواب من محذوف أي : من عادى جبريل من أهل الكتاب فلا وجه لمعاداته بل يجب عليه محبته ﴿فَإِنَّهُ﴾ يعني جبريل ﴿نَزَّلَهُ﴾ أي : القرآن أضمره لكمال شهرته ﴿عَلَى قَلْبِكَ﴾ زيادة تقرير للتنزيل ببيان محل الوحي فإنه القابل الأول له ومدار الفهم والحفظ أي : حفظه إياك ففهمكه وحق الكلام أن يقال على قلبي لكنه جاء على حكاية كلام الله كما تكلم به لما في النقل بالعبارة من زيادة تقرير لمضمون المقالة يعني قل كما تكلمت به من قولي أنه نزله على قلبك ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ بأمره وتيسيره ﴿مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي : موافقاً لما قبله من الكتب الإلهية في التوحيد وبعض الشرائع حال من مفعول نزله ﴿وَهُدًى﴾ أي : هادياً إلى دين الحق ﴿وَبُشْرَى﴾ أي : مبشراً بالجنة ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ فلا وجه لمعاداته فلو أنصفوا لأحبوه وشكروا له صنيعه في إنزاله ما ينفعهم ويصح المنزل عليهم ثم عمم الشرط والجزاء رداً عليهم بقوله :
﴿مَن كَانَ عَدُوًّا﴾ أي : مخالفاً لأمره عناداً وخارجاً عن طاعته مكابرة ﴿وَمَلـاـاـاِكَتِه وَرُسُلِه وَجِبْرِيلَ وَمِيكَـالَ﴾ أفردهما بالذكر لإظهار فضلهما كأنهما من جنس آخر أشرف مما ذكر تنزيلاً للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الجنس.
قال عكرمة جبروميك وإسراف هي العبد بالسريانية وإيل وآئيل هو الله ومعناها عبد الله أو عبد الرحمن ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ جواب الشرط ولم يقل فإنه لاحتمال أن يعود إلى جبريل وميكائيل ﴿عَدُوٌّ لِّلْكَـافِرِينَ﴾ أي : لهم جاء بالظاهر ليدل على أن الله إنما عاداهم لكفرهم والمعنى من عاداهم عاداه الله وعاقبه أشد العقاب فقال ابن صوريا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ما جئتنا بشيء نعرفه وما أنزل عليك من آية فنتبعك لها فأنزل الله.
﴿وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ءَايَـاتا بَيِّنَـاتٍ﴾ واضحات الدلالة على معانيها وعلى كونها من عند الله ﴿وَمَا يَكْفُرُ بِهَآ﴾ أي : بالآيات التي توضح الحلال والحرام وتفصل الحدود والأحكام ﴿إِلا الْفَـاسِقُونَ﴾ المتمردون في الكفر الخارجون عن حدوده فإن من ليس على تلك الصفة لا يجترىء على الكفر بمثل هاتيك البينات والأحسن أن يكون اللام إشارة إلى أهل الكتاب.
قال الحسن إذا استعمل الفسق في نوع من المعاصي وقع على عظم ذلك النوع من كفر أو غيره.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٨٧
واعلم أن القرآن هو النور الإلهي الذي كشف الله به الظلمات واليهود أرادوا أن يطفئوا نور الله والله متم نوره وليس لهم في ذلك إلا الفضاحة والخزي كما إذا دخل الحمام ناس في ليل مظلم وفيهم الأصحاء وأهل العيوب فجاء واحد بسراج مضيء لا يسارع إلى إطفائه إلا أهل العيوب مخافة أن يظهر عيوبهم للأصحاء ويلحق بهم مذمة.
١٨٨
شمع رخشنده دران جمع نخوا هند كه تا
عيب شان درشب تاريك بماند مستور
وأي آن وقت روشن شوداين راز وروز
رده برخيزد واين حال بيايد بظهور
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٨٧
﴿أَوْ﴾ الهمزة للإنكار والعطف على مقدر يقتضيه المقام أي : أكفروا بآيات البينات وهي في غاية الوضوح ﴿أَوَكُلَّمَا عَـاهَدُوا عَهْدًا﴾ مصدر مؤكد لعاهدوا من غير لفظه ﴿نَّبَذَه فَرِيقٌ مِّنْهُم﴾ أي : رموا بالذمام أي : العهد ورفضوه والفريق الطائفة ويكون للقليل والكثير وإسناد النبذ إلى فريق منهم لأن منهم من لم ينبذه ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ بالتوراة وليسوا من الدين في شيء فلا يعدون نقض المواثيق ذنباً ولا يبالون به وهذا رد لما يتوهم من أن النابذين هم الأقلون.
﴿وَلَمَّا جَآءَهُمْ رَسُولٌ﴾ هو النبي صلى الله عليه وسلّم ﴿مِّنْ عِندِ اللَّهِ﴾ متعلق بجاء ﴿مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ﴾ من التوراة ﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ﴾ أي : التوراة ﴿كِتَـابَ اللَّهِ﴾ مفعول نبذ أي : الذي أوتوه وهو التوراة لأنهم لما كفروا بالرسول المصدق لما معهم فقد نبذوا التوراة التي فيها أن محمداً رسول الله وقد علموا أنها من الله ﴿وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ﴾ يعني رموا بالعناد كتاب الله وراء ظهورهم ولم يعملوا به مثل لتركهم وإعراضهم عنه بالكلية بما يرمي به وراء الظهر استغناء عنه وقلة التفات إليه ﴿كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾ جملة حالية أي : نبذوه وراء ظهورهم متشبهين بمن لا يعلمه أنه كتاب الله.
قيل : أصل اليهود أربع فرق ففرقة آمنوا بالتوراة وقاموا بحقوقها كمؤمني أهل الكتاب وهم الأقلون المشار إليهم بقوله عز وجل :﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ وفرقة جاهروا بنبذ العهود تمرداً وفسوقاً وهم المعنيون بقوله سبحانه ﴿نَّبَذَه فَرِيقٌ مِّنْهُم﴾ وفرقة لم يجاهدوا بنبذها ولكن نبذوها لجهلهم بها وهم الأكثرون وفرقة تمسكوا بها ظاهراً ونبذوها خفية وهم المتجاهليون.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٨٩


الصفحة التالية
Icon