وفيه إشارة إلى أن من فعل فعل الجاهل وتعمد الخلاف مع علمه يلتحق بالجهال وهو والجاهل سواء فكما أن الجاهل لا يجيء منه خير فكذا العالم الذي لا يعمل ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام :"واعظ اللسان ضائع كلامه وواعظ القلب نافذ سهامه" فالأول هو العالم الغير العامل والثاني هو العالم العامل الذي يؤثر كلامه في القلوب وتنتج كلمته ثمرات الحكمة والعبرة والفكرة.
فعلى العاقل أن يسارع إلى الامتثال خوفاً من بطش يد ذي الجلال.
ويقال : الندامة أربع : ندامة يوم وهي أن يخرج الرجل من منزله قبل أن يتغدى، وندامة سنة وهي ترك الزراعة في وقتها، وندامة عمر وهو أن يتزوج امرأة غير موافقة، وندامة الأبد وهو أن يترك أمر الله ومجرد قراءة الكتاب بترياق الظاهر لا يدفع سم الباطن فلا بد من العمل كما أن من كان ينظر إلى كتب الطب وكان مريضاً فما دام لم يباشر العلاج لا يفيد نظره بالأدوية وكان خلقه صلى الله تعالى عليه وسلم القرآن يعني يعمل بأوامره وينتهي عن نواهيه.
واعلم أن العمل بالعلوم الظاهرة لا يمكن إلا بعد معرفة المراتب الأربع مثلاً يعرف بالعلم الظاهر أن حكم الزنى الرجم والجلد ولكن في الوجود الإنساني محل يقتضي الوقاع والسفاح فأهل الإرشاد يقمعون المقتضى المذكور عن ذلك المحل وكذا الحال في الأكل والشرب وغيرهما والمرء وإن كان متبحراً في العلوم ومتفنناً في القوانين والرسوم فإن كان لم يصلح حاله بالعمل في تزكية النفس وتصفية القلب فإنه لا يعتبر بل جهله أغلب
١٨٩
ونعم ما قيل :
حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء
ـ حكي ـ أن نصير الدين الطوسي : دخل على ولي من أولياء الله تعالى لأجل الزيارة فقيل له هذا عالم الدنيا نصير الدين الطوسي قال الولي ما كماله قيل ليس له عديل في علم النجوم قال الولي الحمار الأبيض أعلم منه فانحرف الطوسي وقام من مجلسه فاتفق أنه نزل تلك الليلة على باب بيت طاحونة فقال الطحان : ادخل البيت فإنه سيكون الليلة مطر عظيم حتى لو لم يغلق الباب لأخذه السيل فسأل الطحان عن وجهه فقال لي حمار أبيض إذا حرك ذنبه إلى جانب السماء ثلاثاً لم تمطر السماء وإذا حركه إلى جانب الأرض يقع المطر فلما سمعه اعترف بعجزه وصدق الولي وزال غيظه ـ وحكي ـ أن ولياً قال لابن سينا : أفنيت عمرك في العلوم العقلية فإلى أي : مرتبة وصلت قال : وجدت ساعة من ساعات الأيام يكون الحديد فيها كالخمير فقال الولي : أخبرني عن تلك الساعة فلما جاءت الساعة أخبره وأخذ بيده حديداً فنفذ فيه أصبعه فبعد مضي الساعة قال الولي : هل تقدر على تنفيذ أصبعك أيضاً؟ قال : لا فإنه من خصائص تلك الساعة ولا يمكن فأخذه الولي ونفذ أصبعه فيه وقال ينبغي للعاقل أن لا يصرف عمره إلى الزائل الفاني فكما أن ابن سينا ادعى استقلال العقل في طريق الوصول فألقى في جهنم كذلك اليهود خذلهم الله انفوا من أتباع محمد صلى الله عليه وسلّم والعمل بما جاء به من عند الله وادعوا الاستقلال فخابوا وخسروا وبقوا في ظلمة الجهل والكفر، قال في "المثنوي" :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٨٩
اي كه اندر شمة شوراست جات
توجه داني شط وجيحون وفراتوأي آن زنده كه بامرده نشست
مرده كشت وزنده كي أزوي بجست
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٨٩
﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَـاطِينُ﴾ أي : نبذ اليهود كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا كتب السحرة التي تقرأها وتعمل بها الشياطين وهم المتمردون من الجن وتتلو حكاية حال ماضية والمراد بالاتباع التوغل والتمحض فيه والإقبال عليه بالكلية ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَـانَ﴾ أي : على عهد ملكه وفي زمانه فحذف المضاف وعلى بمعنى في.
قال السدي : كانت الشياطين تصعد إلى السماء فيسمعون كلام الملائكة فيما يكون في الأرض من موت وغيره ويأتون الكهنة ويخلطون بما سمعوا في كل كلمة سبعين كذبة ويخبرونهم بها فاكتتب الناس ذلك وفشا في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب وبعث سليمان في الناس وجمع تلك الكتب وجعلها في صندوق ودفنه تحت كرسيه وقال : لا أسمع أحداً يقول إن الشيطان يعلم الغيب إلا ضربت عنقه فلما مات سليمان وذهب العلماء الذين كانوا يعرفون أمر سليمان ودفنه الكتب وخلف من بعدهم خلف تمثل الشيطان على صورة إنسان فأتى نفراً من بني إسرائيل فقال : هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبداً؟ قالوا : نعم قال : فاحفروا تحت الكرسي وذهب معهم فأراهم المكان وقام ناحية فقالوا : ادن قال : لا ولكني ههنا فإن لم تجدوه فاقتلوني وذلك أنه لم يكن أحد من الشياطين يدنو من الكرسي إلا احترق فحفروا وأخرجوا تلك الكتب قال الشيطان : إن سليمان كان يضبط الجن والإنس والشياطين والطير بهذه ثم طار الشيطان وفشا في الناس أن سليمان كان ساحراً وأخذ بنو إسرائيل تلك الكتب فلذلك أكثر ما يوجد السحر في اليهود فلما جاء محمد صلى الله
١٩٠