ـ روي ـ أنه لما استشفع لهما إدريس عليه السلام خيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا لكونه أيسر من عذاب الآخرة فهما في بئر بابل معلقان فيه بشعورهما إلى يوم القيامة.
قال مجاهد ملىء الجب ناراً فجعلا فيه وقيل معلقان بأرجلهما ليس بين ألسنتهما وبين الماء إلا أربع أصابع فهما يعذبان بالعطش.
قال حضرة الشيخ الشهير بافتاده أفندي قدس سره رائحة الشمع الذي يعمل من الشحم كريهة تتألم منها الملائكة حتى يقال إن هاروت وماروت يعذبان برائحته وأما الشمع العسلي فرائحته طيبة كذا في "واقعات الهدائي" قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :"اتقوا الدنيا فوالذي نفسي بيده إنها لأسحر من هاروت وماروت" قال العلماء إنما كانت الدنيا أسحر منهما لأنها تدعوك إلى التحارص عليها والتنافس فيها والجمع لها والمنع حتى تفرق بينك وبين طاعة الله وتفرق بينك وبين رؤية الحق ورعايته وسحر الدنيا محبتها وتلذذك بشهواتها وتمنيك بأمانيها الكاذبة حتى تأخذ بقلبك ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "حبك الشيء يعمي ويصم" أراد النبي عليه الصلاة والسلام إن من الحب ما يعمي عن طريق الحق والرشد ويصمك عن استماع الحق وأن الرجل إذا غلب الحب على قلبه ولم يكن له رادع من عقل أو دين أصمه حبه عن العذل وأعماه عن الرشد أو يعمي العين عن النظر إلى مساويه ويصم الأذن عن استماع العذل فيه أو يعمي ويصم عن الآخرة وفائدته النهي عن حب ما لا ينبغي الإغراق في حبه، قال خسرو الدهلوي :
بهراين مردار ندت كاه زارى كاه زور†
ون غليواجي كه شش مه ماده وشش مه نراست†
ثم في هذه القصة إشارة إلى أنه لا يجوز الاعتماد إلا على فضل الله ورحمته فإن العصمة من آثار حفظ الله تعالى كمال قال في "المثنوي" :
همو هاروت وو ماروت شهير
ازبطر خوردند زهر آلوده تير
إعتمادي بودشان رقدس خويش
يست بر شير اعتماد كاوميش
كره أو باشاخ صد اره كند
شاخ شاخش شير نراره كند
١٩٢
كرشود ر شاخ همون خارشت
شير خواهد كاورا نا ر كشت
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٩٠
﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ﴾ من مزيدة في المفعول به لإفادة تأكيد الاستغراق الذي يفيده أحد والمعنى ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس ما أنزل على الملكين ويحملونهم على العمل به إغواء وإضلالاً والحال أن الملكين ما يعلمان ما أنزل عليهما من السحر أحداً من طالبيه ﴿حَتَّى﴾ ينصحاه أولاً وينهياه عن العمل به والكفر بسببه و﴿يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ﴾ وابتلاء من الله تعالى فمن عمل بما تعلم منا واعتقد حقيته كفر ومن توقى عن العمل به أو اتخذه ذريعة للاتقاء عن الاغترار بمثله بقي على الإيمان والفتنة الاختبار والامتحان يقال : فتنت الذهب بالنار إذا جربته بها لتعلم أنه خالص أو مشوب وهي من الأفعال التي تكون من الله ومن العبد كالبلية والمعصية والقتل والعذاب وغير ذلك من الأفعال الكريهة وقد تكون الفتنة في الدين مثل الارتداد والمعاصي وإكراه الغير على المعاصي وأفردت الفتنة مع تعدد الملكين لكونها مصدراً وحملها عليهما مواطأة للمبالغة كأنهما نفس الفتنة والقصر لبيان أنه ليس لهما فيما يتعاطيانه شأن سواها لينصرف الناس عن تعلمه ﴿فَلا تَكْفُرْ﴾ باعتقاد حقيته بمعنى أنه ليس بباطل شرعاً وجواز العمل به ويقولان ذلك سبع مرات فإن أبى إلا التعليم علماه ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ﴾ عطف على الجملة المنفية فإنها في قوة المثبتة كأنه قيل : يعلمانهم بعد قولهما إنما نحن الخ والضمير لأحد حملا على المعنى أي : فالناس يتعلمون ﴿مِنْهُمَا﴾ أي : من الملكين ﴿مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ﴾ أي : بسببه واستعماله ﴿بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ بأن يحدث الله تعالى بينهما التباغض والفرك والنشوز عندما فعلوا من السحر على حسب جري العادة الإلهية من خلق المسببات عقيب حصول الأسباب العادية ابتلاء لا أن السحر هو المؤثر في ذلك.
قال السدي : كانا يقولان لمن جاءهما إنما نحن فتنة فلا تكفر فإن أبى أن يرجع قالا له ائت هذا الرماد فبل فيه فإذا بال فيه خرج نور يسطع إلى السماء وهو الإيمان والمعرفة وينزل شيء أسود شبه الدخان فيدخل في أذنيه ومسامعه وهو الكفر وغضب الله فإذا أخبرهما بما رآه من ذلك علماه ما يفرق به بين المرء وزوجه ويقدر الساحر على أكثر مما أخبر الله عنه من التفريق لأن ذلك خرج على الأغلب قيل يؤخذ الرجل على المرأة بالسحر حتى لا يقدر على الجماع.
قال في "نصاب الاحتساب" إن الرجل إذا لم يقدر على مجامعة أهله وأطاق ما سواها فإن المبتلي بذلك يأخذ حزمة قصبات ويطلب فأساً ذا فقارين ويضعه في وسط تلك الحزمة ثم يؤجج ناراً في تلك الحزمة حتى إذا أحمى الفأس استخرجه من النار وبال على حده يبرأ بإذن الله تعالى
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٩٠