قال العلماء : إن كان في السحر ما يخل شرطاً من شرائط الإيمان من قول وفعل كان كفراً وإلا لم يكن كفراً وعامة ما بأيدي الناس من العزائم والطلاسم والرقى التي لا تفهم بالعربية فيها ما هو شرك وتعظيم للجن ولهذا نهى علماء المسلمين عن الرقى التي لا يفهم بالعربية معناها لأنها مظنة الشرك وإن لم يعرف الراقي أنها شرك.
وفي الصحيح عن النبي عليه السلام أنه رخص في الرقي ما لم تكن شركاً وقال :"من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل" ولذا نقول إنه يجوز أن يكتب للمصاب وغيره من المرضى شيء من كتاب الله وذكره بالمداد المباح ويغسل ويسقي أو يعلق عليه وفي أسماء الله تعالى وذكره خاصية قمع الشياطين وإذلالهم ولأنفاس أهل الحق تأثيرات عجيبة لأنهم تركوا الشهوات ولزموا العبادات على الوجه الشرعي وظهر لكم حكم قوله تعالى :﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الأرْضِ﴾ (الجاثية : ١٣) ولذا يطيعهم الجن والشياطين ويستعبدونهم كما استعبدها سليمان عليه السلام بتسخير الله تعالى وأقداره ـ حكى حضرة الهدائي قدس سره في "واقعاته" عن شيخه حضرة الشيخ الشهير بافتاده أفندي أنه أرسل ورقة إلى سلطان الجن لأجل مصروع فامتثل أمره وعظمه وضرب عنق الصارع فخلص المصروع، قال في "المثنوي" :
هر يمبر فرد آمد درجهان
فرد بود وصد جهانش درنهان
عالم كبرى بقدرت سحره كرد
كرد خودرا دركهين نقشي نورد
ابلهانش فرد ديدند وضعيف
كي ضعيفست آنكه باشد شد حريف
واعلم أن حكم الساحر القتل ذكراً كان أو أنثى إذا كان سعيه بالإفساد والإهلاك في الأرض وإذا كان سعيه بالكفر فيقتل الذكر دون الأنثى فتضرب وتحبس لأن الساحرة كافرة والكافرة ليست من أهل الحرب فإذا كان الكفر الأصلي يدفع عنها القتل فكيف الكفر العارضي والساحر إن تاب قبل أن يؤخذ تقبل توبته وإن أخذ ثم تاب لا تقبل كما قال في "الأشباه" كل كافر تاب فتوبته مقبولة في الدنيا والآخرة إلا الكافر بسب نبي وبسب الشيخين أو أحدهما وبالسحر ولو امرأة وبالزندقة إذا أخذ قبل توبته والزنديق هو الذي قال بقدم الدهر وإسناد الحوادث إليه مع اعتراف النبوءة وإظهار الشرع هذا وأكثر المنقول إلى هنا من كتاب "آكام المرجان" وهو الذي ينبغي أن يكتب على الأحداق لا على القراطيس والأوراق ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ﴾ لأنهم يقصدون به العمل ولأن العلم يجر إلى العمل غالباً ﴿وَلا يَنفَعُهُمْ﴾ صرح بذلك إيذاناً بأنه ليس من الأمور المشوبة بالنفع والضرر بل هو شر بحت وضرر محض لأنهم لا يقصدون به التخلص عن الاغترار بأكاذيب من يدعي النبوة مثلاً من السحرة أو تخليص الناس منه حتى يكون فيه نفع في الجملة وفيه أن الاجتناب عما لا يؤمن غوائله خير كتعلم الفلسفة التي لا يؤمن أن تجر إلى الغواية وإن قال من قال :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٩٠
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه†
ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه.
وذكر في "التجنيس" أن تعلم النجوم حرام إلا ما يحتاج إليه للقبلة وفي الزوال ومن أحاديث "المصابيح" "من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر" وإذا لم يكن في تعلم مثل هذه العلوم خير فكذا إمساك الكتب التي اشتملت عليها من كتب الفلاسفة
١٩٥
وغيرها بل لا يجوز النظر إليها كما في "نصاب الاحتساب" ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا﴾ أي : هؤلاء اليهود في التوراة ﴿لَمَنِ اشْتَرَاـاهُ﴾ أي : من اختار السحر واستبدل ما تتلو الشياطين بكتاب الله واللام الأولى جواب قسم محذوف والثانية لام ابتداء ﴿مَا لَه فِى الاخِرَةِ مِنْ خَلَـاقٍ﴾ أي : نصيب ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِه أَنفُسَهُمْ﴾ أي : باعوها لأن الشراء من الأضداد واللام جواب قسم محذوف والمخصوص بالذم محذوف أي : والله لبئس ما باعوا به أنفسهم السحر أو الكفر وعبر عن إيمانهم بأنفسهم لأن النفس خلقت للعلم والعمل والإيمان ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ جواب لو محذوف أي : لما فعلوا ما فعلوا من تعلم السحر وعمله أثبت لهم العلم أولاً بقوله ولقد علموا ثم نفى عنهم لأنهم لما لم يعملوا بعلمهم فكأنهم لم يعلموا فهذا في الحقيقة نفي الانتفاع بالعلم لا نفي العلم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٩٠