﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ﴾ أي : اليهود ﴿ءَامَنُوا﴾ بالقرآن والنبي ﴿وَاتَّقُوا﴾ السحر والشرك ﴿لَمَثُوبَةٌ﴾ مفعلة من الثواب وثاب يثوب أي : رجع وسمي الجزاء ثواباً لأنه عوض عمل المحس يرجع إليه وهو مبتدأ جواب لو والتنكير للتقليل أي : شيء قليل من الثواب كائن ﴿مِّنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ﴾ خبر المبتدأ وأصله لأثيبوا مثوبة من عند الله خيراً مما شروا به أنفسهم فحذف الفعل وغير السبك إلى ما عليه النظم الكريم دلالة على إثبات المثوبة لهم والجزم بخيريتها وحذف المفضل عليه جلالاً للمفضل من أن ينسب إليه ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أن ثواب الله خير ومجرد العلم باللسان لا ينفع بدون أن يصل التأثير إلى القلب ويظهر ذلك التأثير بالمسارعة إلى الأعمال الصالحة والاتباع للكتاب والسنة فمن أمر السنة على نفسه أخذاً وتركاً حباً وبغضاً نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة.
قال الشيخ أبو الحسن : كل علم يسبق لك فيه الخواطر وتتبعها الصور وتميل إليه النفوس وتلذ به الطبيعة فارم به وإن كان حقاً وخذ بعلم الله الذي أنزله على رسوله واقتدِ به وبالخفاء والصحابة والتابعين من بعده والأئمة المبرئين من الهوى ومتابعته تسلم من الظنون والشكوك والأوهام والدعاوى الكاذبة المضلة عن الهدى وحقائقه وماذا عليك أن تكون عبداًولا علم ولا عمل بلا اقتداء وحسبك من العلم العلم بالوحدانية ومن العمل محبة الله ومحبة رسوله ومحبة الصحابة واعتقاد الحق للجماعة.
قال بعض العلماء زيادة العلم في الرجل السوء كزيادة الماء في أصول الحنظل كلما ازداد رياً ازداد مرارة ومثل من تعلم العلم لاكتساب الدنيا وتحصيل الرفعة فيها كمثل من رفع العذرة بملعقة من الياقوت فما أشرف الوسيلة وما أخس المتوسل إليه والذي يحمل العبد على تعليم ما لا يليق به وذكر ما يجب صونه إنما هو إيثار الدنيا على الآخرة لكن الله تعالى يقول :﴿وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىا﴾ (القصص : ٦٠) فإن أردت أن تعرف قدرك عند الله فانظر فيماذا يقيمك وذلك لأن الأعمال علامات والأحوال كرامات والكرامات دليل والعلوم وسائل وقد جاء "من سره أن يعرف منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله في قلبه فإن الله ينزل العبد عنده حيث أنزله العبد من نفسه" والإنسان نسخة إلهية قابلة للواردات الإلهية فالنصف الأسفل منه بمنزلة الملك والنصف الأعلى بمنزلة الملكوت وبعبارة أخرى الطبيعة والنفس بمنزلة الملك والروح والسر بمنزلة الملكوت فإذا قطع العلائق بالعبادة الحقانية يتصرف في عالم الملك والملكوت اللذين في ملك وجوده وهو باب الملك والملكوت اللذين في الخارج.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٩٦
واعلم
١٩٦
أن وصلة العلماء على قدر علمهم واستدلالهم ووصلة الكمل على قدر مشاهدتهم وعيانهم لكن لا على وجه مشاهدة سائر الأشياء فإنه تعالى منزه عن الكيف والأين بل هي عبارة عن ظهور الوجود الحقيقي عند اضمحلال وجود الرائي وفنائه وأول ما يتجلى للسالك الأفعال ثم الصفات وأما تجلي الذات فلا يتيسر إلا للآحاد فهو لا يكون إلا بمحو الوجود وإفنائه لكن ذلك الفناء عين البقاء.
وعن أبي يزيد البسطامي قدس سره كنت أعلم الإخلاص لبعض الفقراء وهو يعلمنا الفناء.
قال السعدي :
تراكي بود ون راغ التهاب
كه ازخود رى همو قنديل ازآب
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٩٦


الصفحة التالية
Icon