يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَقُولُوا} لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو إرشاد للمؤمنين إلى الخير ﴿رَاعِنَا﴾ المراعاة المبالغة في الرعي وهو حفظ الغير وتدبير أموره وتدارك مصالحه كان المسلمون يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا ألقى عليهم شيئاً من العلم راعنا يا رسول الله أي : راقبنا وانتظرنا وتأن بنا حتى نفهم كلامك وكانت لليهود كلمة عبرانية أو سريانية يتسابون بها بينهم وهي راعنا فلما سمعوا بقول المؤمنين راعنا افترصوه وخاطبوا به الرسول وهم يعنون به تلك المسبة فنهى المؤمنون عنها قطعاً لألسنة اليهود عن التلبيس وأمروا بما هو في معناها ولا يقبل التلبيس فقيل ﴿وَقُولُوا انظُرْنَا﴾ أي : انتظرنا من نظره إذا انتظره ﴿وَاسْمَعُوا﴾ وأحسنوا سماع ما يكلمكم به رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويلقي عليكم من المسائل بآذان واعية وأذهان حاضرة حتى لا تحتاجوا إلى الاستعادة وطلب المراعاة ﴿وَلِلْكَـاـفِرِينَ﴾ أي : ولليهود الذين تهاونوا برسول الله صلى الله عليه وسلّم وسبوه ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع لما اجترؤوا عليه من المسبة العظيمة.
وفي هذه الآية دليلان أحدهما على تجنب الألفاظ المحتملة التي فيها التعريض وأما قولهم لا بأس بالمعاريض وهو أن يتكلم لرجل بكلمة يظهر من نفسه شيئاً ومراده شيء آخر فإنما أرادوا ذلك إذا اضطر الإنسان إلى الكذب فأما إذا لم يكن حاجة ولا ضرورة فلا يجوز التعريض ولا التصريح جميعاً قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" بأن لا يتعرض لهم بما حرم من دمائهم وأعراضهم وقدم اللسان في الذكر لأن التعرض به أسرع وقوعاً وأكثر وخص اليد بالذكر لأن معظم الأفعال يكون بها.
قال في "المثنوي" :
أين زبان ون سنك وهم آهن وشيست
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٩٧
وانه بجهد از زبان ون آنشيست
سنك وآهن رامزن برهم كزاف
كه زروى نقل وكه ازروى لاف
زانكه تاريكست وهر سونبه زار
درميان نبه ون باشد شرار
عالمي رايك سخن ويران كند
روبهان مرده را شيران كند
والثاني : التمسك بسد الذرائع وحمايتها والذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه يخاف من ارتكابه الوقوع في ممنوع.
ووجه التمسك بها أن اليهود كانوا يقولون ذلك وهي سب بلغتهم فلما علم الله تعالى ذلك منهم منع من إطلاق ذلك اللفظ لأنه ذريعة للسبّ قال تعالى :﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوَا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ (الأنعام : ١٠٨) فمنع من سبع آلهتهم مخافة مقابلتهم بمثل
١٩٧