ذلك وقال تعالى :﴿وَسْـاَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ﴾ (الأعراف : ١٦٣) الآية فحرم الله عليهم الصيد في يوم السبت فكان الحيتان تأتيهم يوم السبت شرعاً أي : ظاهرة فسدوا عليها يوم السبت وأخذوها يوم الأحد وكان السد ذريعة للاصطياد فمسخهم الله قردة وخنازير.
وعن عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال رسول الله عليه السلام :"أن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله" قال العلماء : ففعل ذلك أوائلهم ليستأنسوا برؤية تلك الصور ويتذكروا أحوالهم الصالحة فيجتهدوا كاجتهادهم ويعبدوا الله عند قبورهم فمضت لهم بذلك أزمان ثم إنهم خلف من بعدهم خلف جهلوا أغراضهم ووسوس لهم الشيطان إن آباءكم وأجدادكم كانوا يعبدون هذه الصور فعبدوها فحذر النبي عليه الصلاة والسلام عن مثل ذلك وشدد النكير والوعيد على من فعل ذلك وسد الذرائع المؤدية إلى ذلك فقال عليه السلام :"اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد" وقال :"اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد" وقال صلى الله عليه وسلّم "لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به البأس" وقال عليه السلام :"إن من الكبائر شتم الرجل والديه" قالوا : يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال :"نعم يسبّ أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه" فجعل التعرض لسب الآباء والأمهات كسب الآباء والأمهات وقال صلى الله عليه وسلّم "الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات فمن اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يقع فيه" فمنع عليه السلام من الإقدام على الشبهات مخافة الوقوع في المحرمات وفي الحديث "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه منكم حتى ترجعوا إلى دينكم" والعينة : هو أن يبيع رجل من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعها به وسميت عينة لحصول النقد لصاحب العينة وذلك أن العينة هو الحال الحاضر والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره وفي هذا الحديث ذم للزراع إذا كان زراعتهم ذريعة لترك الجهاد قال عليه الصلاة والسلام حين رأى آلة الحراثة في دار قوم :"ما دخل هذا بيت قوم إلا ذلوا" وذلك لأن الزراعة عمارة الدنيا وإعراض عن الجهاد فيستحق به الذل وعمارة الدنيا أصل في حق الكفار عارض في حق المسلمين فإن المسلمين يجعلونها وسيلة إلى الآخرة وأما الكفار فيعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن آخرتهم غافلون وقد قال عليه السلام :"الدنيا سجن المؤمن" أي : بالنسبة إلى ما أعد له من ثواب النعيم "وجنة الكافر" أي : بالإضافة إلى ما هيىء له من عذاب الآخرة والقطعية والهجران.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٩٧
﴿مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ كان فريق من اليهود يظهرون للمؤمنين محبة ويزعمون أنهم يودون لهم الخير فنزل تكذيباً لهم.
والودّ حبّ الشيء مع تمنيه ونفي الود كناية عن الكراهة أي : ما يحب الذين كفروا ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ﴾ من للتبيين لأن الذين كفروا جنس تحته نوعان : أهل الكتاب والمشركون فكأنه قيل ما يود الذين كفروا
١٩٨