بالطرد والتبعيد حتى لم يهتدوا إلى الشرع القويم ووقعوا عن الصراط المستقيم أي عن المرتبة الإنسانية التي خلق فيها الإنسان في أحسن تقويم ومسخوا قردة وخنازير صورة أو معنى أو لما وقعوا عن الصراط المستقيم في سد البشرية نسوا ألطاف الربوبية وضلوا عن صراط التوحيد فأخذهم الشيطان بشرك الشرك كالنصارى فاتخذوا الهوى إلهاً والدنيا إلهاً وقالوا :﴿ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾، ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ هذا بحسب أول الحال وفيه وجه آخر معتبر فيه عارض المآل وهو أن يراد غير المغضوب عليهم بالغيبة بعد الحضور والمحنة بعد السرور والظلمة غب النور نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة ولا الضالين بغلبة الفسق والفجور وانقلاب السرور بالشرور ووجه ثالث يعبر في السلوك إلى ملك الملوك وهو غير المغضوب عليهم بالاحتباس في المنازل والانقطاع عن القوافل ولا الضالين بالصدود عن المقصود، ﴿أَمِينٌ﴾، اسم فعل بمعنى استجب معناه يا لله استجب دعاءنا أو افعل يا رب بني على الفتح كأين وكيف لالتقاء الساكنين وليست من القرآن اتفاقاً لأنها لم تكتب في الإمام ولم ينقل أحد من الصحابة والتابعين ومن بعدهم رضي الله تعالى عنهم أنها قرآن لكن يسن أن يقول القارىء بعد الفاتحة : آمين مفصولة عنها لقوله عليه السلام :"علمني جبريل آمين عند فراغي من قراءة الفاتحة وقال إنه كالختم على الكتاب" وزاده علي ـ رضى الله عنه ـ توضيحاً فقال :(آمين خاتم رب العالمين ختم به دعاء عبده) فسره أن الخاتم كما يمنع عن المختوم الاطلاع عليه والتصرف فيه يمنع آمين عن دعاء العبد الخيبة، وقال وهب : يخلق بكل حرف منه ملك يقول :(اللهم اغفر لمن قال آمين) وفي الحديث "الداعي والمؤمن شريكان" يعني : به قوله تعالى :﴿قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا﴾ (يونس : ٨٩) قال عليه السلام :"إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا : آمين فإن الملائكة تقولها فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" وسره ما مر في كلام وهب أما الموافقة فقيل في الزمان وقيل في الإخلاص والتوجه الأحدي.
واختلف في هؤلاء الملائكة قيل هم الحفظة وقيل غيرهم ويعضده ما روي أنه عليه السلام قال :"فإن من وافق قوله قول أهل السماء" ويمكن أن يجمع بين القولين بأن يقولها الحفظة وأهل السماء أيضاً، قال المولى الفناري في تفسير الفاتحة : إن الفاتحة نسخة الكمال لمن أخرج للاستكمال من ظلمة العدم والاستهلاك في نور القدم إلى أنوار الروحانية ثم بواسطة النفخ إلى عامل الجسمانية ليكمل مرتبة الإنسانية التي لجمعيتها مظنة الأنانية فاحتاج إلى طلب الهداية إلى منهاج العناية التي منها جاء ليرجع من الوجود إلى العدم بل من الحدوث إلى القدم فيفقد الموجود فقداناً لا يجده ليجد المفقود وجداناً لا يفقده ولما حصل لهم رتبة الكمال بقبول هذا السؤال كما قال :"ولعبدي ما سأل" فأضافه إلى نفسه بلام التمليك ثم ختم أكرم الأكرمين نسخة حالهم بخاتم آمين إشارة إلى أن عباده المخلصين ليس لأحد من العالمين أن يتصرف فيهم بأن يفك خاتم رب العالمين ولهذا أيس إبليس فقال :﴿إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ (الحجر : ٤٠)، وعدد آيات سورة الفاتحة سبع في قول الجمهور على أن إحداها ما آخرها أنعمت عليهم لا التسمية أو بالعكس وعدد كلماتها، ففي "التيسير" أنها خمس وعشرون وحروفها مائة وثلاثة وعشرون، وفي "عين المعاني" كلماتها سبع وعشرون وحروفها مائة واثنان وأربعون وسبب
٢٥


الصفحة التالية
Icon