﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَوةَ﴾ الصلاة اسم للدعاء كما في قوله تعالى :﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ (التوبة : ١٠٣) أي : ادع لهم والثناء كما في قوله تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائكَتَه يُصَلُّونَ﴾ (الأحزاب : ٥٦) والقراءة كما في قوله تعالى :﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ﴾ (الإسراء : ١١٠) أي : بقراءتك والرحمة كما في قوله تعالى :﴿أُوالَائِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ (البقرة : ١٥٧) والصلاة المشروعة المخصوصة بأفعال وأذكار سميت بها لما في قيامها من القراءة وفي قعودها من الثناء والدعاء ولفاعلها من الرحمة.
والصلاة في هذه الآية اسم جنس أريد بها الصلوات الخمس، وإقامتها عبارة عن المواظبة عليها من قامت السوق إذ نفقت أو عن التشمر لأدائها من غير فتور ولا توان من قولهم : قام بالأمر وأقامه إذا جد فيه وتجلد وضده قعد عن الأمر وتقاعد أو عن أدائها فإن قول المؤذن (قد قامت الصلاة) معناه أخذوا في أدائها عبر عن أدائها بالإقامة لاشتمالها على القيام كما عبر عنها بالقنوت والركوع والسجود والتسبيح أو عن تعديل أركانها وحفظها من أن يقع في شيء من فرائضها وسننها وأدائها زيغ من أقام العود إذا قومه وعدله وهو الأظهر لأنه أشهر وإلى الحقيقة أقرب وأفيَد لتضمنه التنبيه على أن الحقيق بالمدح من راعى حدودها الظاهرة من الفرائض والسنن وحقوقها الباطنة من الخشوع والإقبال بقلبه على الله تعالى لا المصلون الذين هم عن صلاتهم ساهون.
قال إبراهيم النخعي : إذا رأيت رجلاً يخفف الركوع والسجود فترحم على عياله يعني : من ضيق المعيشة.
وذكر أن حاتماً الزاهد دخل على عاصم بن يوسف فقال له عاصم : يا حاتم هل تحسن أن تصلي؟ فقال : نعم قال : كيف تصلي؟ قال : إذا تقارب وقت الصلاة أسبغ الوضوء ثم أستوي في الموضع الذي أصلي فيه حتى يستقر كل عضو مني وأرى الكعبة بين حاجبي والمقام بحيال صدري والله فوقي يعلم ما في قلبي وكأن قدمي
٣٣
على الصراط والجنة عن يميني والنار عن شمالي وملك الموت خلفي وأظن أنها آخر الصلاة ثم أكبر تكبيراً بإحسان وأقرأ قراءة بتفكر وأركع ركوعاً بالتواضع وأسجد سجوداً بالتضرع ثم أجلس على التمام وأتشهد على الرجاء وأسلم على السنة ثم أسلمها للإخلاص وأقوم بين الخوف والرجاء ثم أتعاهد على الصبر قال عاصم : يا حاتم أهكذا صلاتك؟ قال : كذا صلاتي منذ ثلاثين سنة فبكى عاصم وقال : ما صليت من صلاتي مثل هذا قط.
كذا في "تنبيه الغافلين" : قال السعدى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩
كه داند و دربند حق نيستي
اكربي وضو درنماز ايستي
قال في تفسير "التيسير" المذكور في الآية إقامة الصلاة والله تعالى أمر في الصلاة بأشياء بإقامتها بقوله :﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ﴾ (الروم : ٣١) وبالمحافظة عليها وإدامتها بقوله :﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَآئمُونَ﴾ (المعارج : ٢٣) وبأدائها في أوقاتها بقوله :﴿كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًًا﴾ (النساء : ١٠٣) وبأدائها في جماعة بقوله :﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ (البقرة : ٤٣) وبالخشوع فيها بقوله ﴿الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ (المؤمنون : ٢) وبعد هذه الأوامر صارت الناس على طبقات : طبقة لم يقبلوها ورأسهم أبو جهل لعنه الله قال الله تعالى في حقه :﴿فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى﴾ (القيامة : ٣١) وذكر مصيرهم فقال :﴿مَا سَلَكَكُمْ فِى سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ (المدثر : ٤٢ ـ ٤٣) إلى قوله :﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ (المدثر : ٤٦) وطبقة قبلوها ولم يؤدوها أهل الكتاب قال الله تعالى :﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ﴾ (مريم : ٥٩) وهم أهل الكتاب ﴿فَخَلَفَ مِن﴾ (مريم : ٥٩) وذكر مصيرهم فقال :﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ (مريم : ٥٩) وهي دركة في جهنم هي أهيب موضع فيها تستغيث الناس منها كل يوم كذا وكذا مرة ثم قال الله :﴿إِلا مَن تَابَ﴾ (مريم : ٦٠) أي : من اليهودية والنصرانية ﴿وَءَامَنَ﴾ (مريم : ٦٠) أي : بمحمد ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ (مريم : ٦٠) أي : حافظ على الصلاة، وطبقة أدوا بعضاً ولم يؤدا بعضاً متكاسلين وهم المنافقون قال الله تعالى :﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَوةِ قَامُوا كُسَالَى﴾ (النساء : ١٤٢) وذكر أن مصيرهم ويل وهو وادٍ في جهنم لو جعلت فيه جبال الدنيا لماعت أي : سالت قال النبي صلى الله عليه وسلّم "من ترك صلاة حتى مضى وقتها عذب في النار حقباً" والحقب ثمانون سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوماً كل يوم ألف سنة مما تعدون.
قالوا وتأخير الصلاة عن وقتها كبيرة وأصغر الكبيرة ما قيل إنه يكون كأنه زنا بأمه سبعين مرة كما في "روضة العلماء".
وطبقة قبلوها وهم يراعونها في مواقيتها بشرائطها ورأسهم المصطفى صلى الله عليه وسلّم قال تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩


الصفحة التالية
Icon