﴿إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَىِ الَّيْلِ﴾ (المزمل : ٢٠) وقال تعالى :﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (الأنعام : ١٦٢) الآية وأصحابه كذلك فذكرهم الله تعالى بقوله :﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ (المؤمنون : ١ ـ ٢) وذكر مصيرهم فقال :﴿أولئك هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ﴾ (المؤمنون : ١٠ ـ ١١) وهو أرفع موضع في الجنة وأبهاه ينال المؤمن فيه مناه وينظر إلى مولاه.
قال الحكماء : كن نجماً فإن لم تستطع فكن قمراً فإن لم تستطع فكن شمساً أي : مصلياً جميع الليل كالنجم يشرق جميع الليل أو كالقمر يضيء بعض الليل أو كالشمس تضيء بالنهار معناه : فصلِّ بالنهار إن لم تستطع بالليل كذا في "زهرة الرياض".
واعلم أن الجماعة من فروض الكفاية وفيها فضل وليست بفرض عند عامة العلماء حتى إذا صلى
٣٤
وحده جاز وإن فاته فضل الجماعة.
وقال أحمد بن حنبل : إن الجماعة فرض وليست بنافلة حتى إذا صلى وحده لم تجز صلاته غير أنها وإن لم تكن فريضة عندنا فالواجب على المسلم أن يتعاهدها ويحفظها قال تعالى : يا قَوْمَنَآ أَجِيبُوا دَاعِىَ اللَّهِ} (الأحقاف : ٣١) قال بعضهم المراد من الداعي المؤذنون الذين يدعون إلى الجماعة في الصلوات الخمس وتارك الجماعة شر من شارب الخمر وقاتل النفس بغير حق ومن القتات ومن العاق لوالديه ومن الكاهن والساحر ومن المغتاب وهو ملعون في التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وهو ملعون على لسان الملائكة لا يعاد إذا مرض ولا تشهد جنازته إذا مات قال النبي عليه الصلاة والسلام :"تارك الجماعة ليس مني ولا أنا منه ولا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً" أي : نافلة وفريضة فإن ماتوا على حالهم فالنار أولى بهم كذا في "روضة العلماء".
وقال في "نصاب الاحتساب" قال عليه السلام :"لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس وانظر إلى أقوام يتخلفون عن الجماعة فأحرق بيوتهم" وهذا يدل على جواز إحراق بيت الذي يتخلف عن الجماعة لأن الهمَّ بالمعصية لا يجوز من الرسول عليه السلام لأنه معصية فإذا علم جواز إحراق البيت على ترك السنة المؤكدة فما ظنك في إحراق البيت على ترك الواجب والفرض وما ظنك في إحراق آلات المعصية انتهى كلام "النصاب" هذا.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بعث الله نبيه عليه السلام بشهادة أن لا إله إلا الله فلما صدق زاد الصلاة فلما صدق زاد الزكاة فلما صدق زاد الصيام فلما صدق زاد الحج ثم الجهاد ثم أكمل لهم الدين.
قال مقاتل : كان النبي عليه السلام يصلي بمكة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشاء فلما عرج به إلى السماء أمر بالصلوات الخمس كما في "روضة الأخيار"، وإنما فرضت الصلاة ليلة المعراج لأن المعراج أفضل الأوقات وأشرف الحالات وأعز المناجات والصلاة بعدا لإيمان أفضل الطاعات وفي التعبد أحسن الهيئات ففرض أفضل العبادات في أفضل الأوقات وهو وصول العبد إلى ربه وقربه منه.
وأما الحكمة في فرضيتها فلأنه صلى الله عليه وسلّم لما أسرى به شاهد ملكوت السموات بأسرها وعبادات سكانها من الملائكة فاستكثرها عليه السلام غبطة وطلب ذلك لأمته فجمع الله له في الصلوات الخمس عبادات الملائكة كلها لأن منهم من هو قائم ومنهم من هو راكع ومنهم من هو ساجد وحامد ومسبح إلى غير ذلك فأعطى الله تعالى أجور عبادات أهل السموات لأمته إذا قاموا الصلوات الخمس.
وأما الحكمة في أن جعلها الله تعالى مثنى وثلاث ورباع فلأنه عليه السلام شاهد هياكل الملائكة تلك الليلة أي : ليلة الإسراء أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع فجمع الله ذلك في صور أنوار الصلوات عند عروج ملائكة الأعمال بأرواح العبادات لأن كل عبادة تتمثل في الهياكل النورانية وصورها كما وردت الإشارات في ذلك بل يخلق الملائكة من الأعمال الصالحة كما ورد في الأحاديث الصحيحة وكذلك جعل الله أجنحة الملائكة على ثلاث مراتب فجعل أجنحتك التي تطير بها إلى الله موافقة لأجنحتهم ليستغفروا لك.
وأما الحكمة في كونها خمس صلوات فلأنه عليه السلام بعد سؤاله التخفيف ومراجعته قال له الله تعالى :"يا محمد إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة لكل صلاة عشر حسنات فتلك خمسون صلاة وكانت خمسين على من قبلنا" فحطت ليلة المعراج إلى خمس تخفيفاً وثبت جزاء الخمسين
٣٥