المحفوظ فينزل بها إلى الرسل فيلقيها عليهم ﴿وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ﴾ التوراة والإنجيل وسائر الكتب السالفة والإيمان بالكل جملة فرض عين وبالقرآن تفصيلاً من حيث أنا متعبدون بتفاصيله فرض كفاية فإن في وجوبه على الكل عيناً حرجاً بيناً وإخلالاً بأمر المعاش.
قال في "التيسير" الإيمان بكل الكتب مع تنافي أحكامها على وجهين أحدهما التصديق أن كلها من عند الله والثاني الإيمان بما لم ينسخ من أحكامها
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩
﴿وَبِالآخِرَةِ﴾ تأنيث الآخر الذي يقابل الأول وهو في المعدودات اسم للفرد اللاحق وهي صفة الدار بدليل قوله تعالى :﴿تِلْكَ الدَّارُ الاخِرَةُ﴾ (القصص : ٨٣) وهي من الصفات الغالبة وكذا الدنيا والآخرة بفتح الخاء الذي يلي الأول وسميت الدنيا دنيا لدنوها من الآخرة وسميت الآخرة آخرة لتأخرها وكونها بعد الدنيا ﴿هُمْ يُوقِنُونَ﴾ الإيقان إتقان العلم بالشيء بنفي الشك والشبهة عنه نظراً واستدلالاً ولذلك لا يسمى علمه تعالى يقيناً وكذا العلوم الضرورية أي : يعلمون علماً قطعياً مزيحاً لما كان أهل الكتاب عليه من الشكوك والأوهام التي من جملتها زعمهم أن الجنة لا يدخلها إلا من كان هوداً أو نصارى وأن النار لم تمسهم إلا أياماً معدودات واختلافهم في أن نعيم الجنة هل هو من قبيل نعيم الدنيا أو لا وهل هو دائم أو لا فقال فرقة منهم يجري حالهم في التلذذ بالمطاعم والمشارب والمناكح على حسب مجراها في الدنيا وقال آخرون إن ذلك إنما احتيج إليه في هذه الدار من أجل نماء الأجسام ولمكان التوالد والتناسل وأهل الجنة مستغنون عنه فلا يتلذذون إلا بالنسيم والأرواح العبقة والسماع اللذيذ والفرح والسرور وبناء يوقنون على الضمير تعريض بمن عداهم من أهل الكتاب وبما كانوا عليه من إثبات أمر الآخرة على خلاف حقيقته فإن اعتقادهم في أمور الآخرة بمعزل من الصحة فضلاً عن الوصول إلى مرتبة اليقين فدل التقديم على التخصيص بأن إيقان من آمن بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك مقصور على الآخرة الحقيقية لا يتجاوز إلى ما أثبته الكفار بالإقرار من أهل الكتاب.
قال أبو الليث رحمه الله في "تفسيره" : اليقين على ثلاثة أوجه يقين عيان ويقين خبر ويقين دلالة فأما يقين العيان فهو أنه إذا رأى شيئاً زال الشك عنه في ذلك الشيء وأما يقين الدلالة فهو أن يرى الرجل دخاناً ارتفع من موضع يعلم باليقين أن هناك ناراً وإن لم يرها وأما يقين الخبر فهو أن الرجل يعلم باليقين أن في الدنيا مدينة يقال لها بغداد وإن لم ينته إليها فههنا يقين خبر ويقين دلالة لأن الآخرة حق ولأن الخبر يصير معاينة عند الرؤية انتهى كلامه.
ويقال : علم اليقين ظاهر الشريعة وعين اليقين الإخلاص فيها وحق اليقين المشاهدة فيها والعلم اليقين هو العلم الحاصل بالإدراك الباطني بالفكر الصائب والاستدلال وهذا للعلماء الذين يوقنون بالغيب ولا تزيد هذه المرتبة العلمية إلا بمناسبة الأرواح القدسية فإذاً يكون العلم عيناً ولا مرتبة للعين إلا اليقين الحاصل من مشاهدة المعلوم ولا تزيد هذه المرتبة إلا بزوال حجاب الإثنينية فإذاً يكون العين حقاً وزيادة هذه المرتبة أي : حق اليقين عدم ورود الحجاب بعده وعينه للأولياء وحقه للأنبياء وهذه الدرجات والمراتب لا تحصل إلا بالمجاهدة مثل دوام الوضوء وقلة الأكل والذكر أو السكوت بالفكر في ملكوت السموات والأرض
٤١
وبأداء السنن والفرائض وترك ما سوى الحق والغرض وتقليل المنام والعرض وأكل الحلال وصدق المقال والمراقبة بقلبه إلى الله تعالى فهذه مفاتيح المعاينة والمشاهدة كذا في "شرح النصوص المسمى بأسرار السرور بالوصول إلى عين النور".
ثم ثمرة اليقين بالآخرة الاستعداد لها فقد قيل عشرة من المغرورين من أيقن أن الله خالقه ولا يعبده ومن أيقن أن الله رازقه ولا يطمئن به ومن أيقن أن الدنيا زائلة ويعتمد عليها ومن أيقن أن الورثة أعداؤه ويجمع لهم :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٩
توباخود ببرتوشة خويشتن
كه شفقت نيايد زفر زندوزن


الصفحة التالية
Icon