جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠
عطا ييست هر موى ازو برتنم
ه كونه بهر موى شكرى كنم
وذكر الشيخ الإمام حجة الإسلام الغزالي رحمه الله في "منهاج العابدين" أن الحمد والشكر آخر العقبات السبع التي لا بد للسالك من عبورها ليظفر بمبتغاه فأول ما يتحرك العبد لسلوك طريق العبادة يكون بخطرة سماوية وتوفيق خاص إلهي وهو الذي أشار إليه صاحب الشرع صلى الله عليه وسلّم بقوله :"إن النور إذا دخل قلب العبد انفتح وانشرح" فقيل : يا رسول الله هل لذلك من علامة يعرف بها؟ فقال :"التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله" فإذا خطر بقلب العبد أول كل شيء أن له منعماً بضروب من النعم، وقال إنه يطالبني بشكره وخدمته فلعله إن غفلت يزيل نعمته ويذيقني نقمته وقد بعث إلي رسولاً بالمعجزات وأخبرني بأن لي رباً عالماً قادراً على أن يثيب بطاعته ويعاقب بمعصيته وقد أمر ونهى فيخاف على نفسه عنده فلم يجد في طريق الخلاص من هذا النزاع سبيلاً سوى الاستدلال بالصنعة على الصانع فيحصل له اليقين بوجود ربه الموصوف بما ذكر فهذه عقبة العلم والمعرفة استقبلته في أول الطريق ليكون في قطعها على بصيرة بالتعلم والسؤال من علماء الآخرة فإذا حصل له اليقين بوجود ربه بعثته المعرفة على التشمر للخدمة ولكنه لا يدري كيف يعبده فيتعلم ما يلزمه من الفرائض الشرعية ظاهراً وباطناً فلما استكمل العلم والمعرفة بالفرائض انبعث للعبادة فنظر فإذا هو صاحب ذنوب كما هو حال أكثر الناس فيقول كيف أقبل على الطاعة
١١
وأنا مصر متلطخ بالمعاصي فيجب أن أتوب إليه ليخلصني من أسرها وأتطهر من أقذارها فأصلح للخدمة فيستقبله ههنا عقبة التوبة فلما حصلت له إقامة التوبة الصادقة بحقوقها وشرائطها نظر للسلوك فإذا حوله عوائق من العبادة محدقة به فتأمل فإذا هي أربع : الدنيا، والخلق، والشيطان، والنفس، فاستقبلته عقبة العوائق فيحتاج إلى قطعها بأربعة أمور : التجرد عن الدنيا، والتفرد عن الخلق، والمحاربة مع الشيطان، والنفس وهي أشدها إذ لا يمكنه التجرد عنها ولا أن يقهرها بمرة كالشيطان إذ هي المطية والآلة ولا مطمع أيضاً في موافقتها على الإقبال على العبادة إذ هي مجبولة على ضد الخير كالهوى واتباعها له :
نمي تازد أين نفس سركش جنان
كه عقلش تواند كرفتن عنان
كه بانفس وشيطان برآيد بزور
مصاف بلنكان نيايد زمور
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠
فاحتاج إلى أن يلجمها بلجام التقوى لتنقاد فيستعملها في المراشد ويمنعها عن المفاسد فلما فرغ من قطعها وجد عوارض تعترضه وتشغله عن الإقبال على العبادة فنظر فإذا هي أربعة : رزق تطلبه النفس ولا بد، وإخطار من كل شيء يخافه أو يرجوه أو يريده أو يكرهه ولا يدري أصلاحه في ذلك أم فساده، والثالث : الشدائد والمصائب تنصب عليه من كل جانب لا سيما وقد انتصب لمخالفة الخلق ومحاربة الشيطان ومضارة النفس، والرابع : أنواع القضاء فاستقبلته ههنا عقبة العوارض الأربعة فاحتاج إلى قطعها بأربعة : بالتوكل على الله في الرزق والتفويض إليه في موضع الخطر والصبر عند الشدائد والرضى بالقضاء فإذا قطعها نظر فإذا النفس فاترة كسلى لا تنشط ولا تنبعث لخير كما يحق وينبغي وإنما ميلها إلى غفلة ودعة وبطالة بل إلى سرف وفضول فاحتاج إلى سائق يسوقها إلى الطاعة وزاجر يزجرها عند المعصية وهما : الرجاء والخوف، فالرجاء في حسن ما وعد من الكرامات والخوف من صعوبة ما أوعد من العقوبات والإهانات فهذه عقبة البواعث استقبلته فاحتاج إلى قطعها بهذين المذكورين فلما فرغ منها لم ير عائقاً ولا شاغلاً ووجد باعثاً وداعياً فعانق العبادة بلزام الشوق فنظر فإذا تبدو بعد كل ذلك آفتان عظيمتان هما الرياء والعجب فتارة يرائي بطاعته الناس وتارة يستعظم ذلك ويكرم نفسه فاستقبلته ههنا عقبة القوادح فاحتاج إلى قطعها بالإخلاص وذكر المنة فإذا قطعها بحسن عصمة الجبار وتأييده حصلت العبادة له كما يحق وينبغي ولكنه نظر فإذا هو غريق في بحور نعم الله من إمداد التوفيق والعصمة فخاف أن يكون منه إغفال للشكر فيقع في الكفران وينحط عن تلك المرتبة الرفيعة التي هي مرتبة أغذية الخالصين فاستقبلته ههنا عقبة الحمد والشكر فقطعها بتكثيرهما فلما فرغ منها فإذا هو بمقصوده ومبتغاه فيتنعم في طيب هذه الحالة بقية عمره بشخص في الدنيا وقلب في العقبى ينتظر البريد يوماً فيوماً ويستقذر الدنيا فاستكمل الشوق إلى الملأ الأعلى فإذا هو برسول رب العالمين يبشره بالرضوان من عند رب غير غضبان فينقلونه في طيبة النفس وتمام البشر والأنس من هذه الدنيا الفانية إلى الحضرة الإلهية ومستقر رياض الجنة فيرى لنفسه الفقيرة نعيماً وملكاً عظيماً قال الشيخ سعدي قدس سره :
عروسي يود نوبت ما تمت
كرت نيك روزى بود خاتمت
١٢
قال خسرو عند وفاته :
زد نياميرود خسرو بزيرلب همى كويد
دلم بكرفت ازغربت تمناي وطن دارم


الصفحة التالية
Icon