﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ أي : إن كان بكم خوف من عدو أو غيره ﴿فَرِجَالا﴾ منصوب على الحال وعامله محذوف تقديره فصلوا راجلين والرجال جمع راجل مثل صحاب وصاحب ﴿أَوْ رُكْبَانًا﴾ أي : راكبين وهو جمع راكب مثل فرسان وفارس.
ومذهب أبي حنيفة أنهم لا يصلون في حال المشي والمسايفة ما لم يمكن الوقوف وعند إمكان الوقوف يصلي واقفاً والدليل عليه قوله تعالى :﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ الآية ﴿فَإِذَآ أَمِنتُمْ﴾ وزال خوفكم ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ أي : فصلوا صلاة الأمن عبر عنها بالذكر لأنه معظم أركانها ﴿كَمَا عَلَّمَكُم﴾ أي : ذكراً كائناً كتعليمه إياكم ﴿مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ من كيفية الصلاة والمراد بالتشبيه أن تكون الصلاة المؤداة موافقة لما علمه الله وإيرادها بذلك العنوان لتذكير النعمة أو اشكرواشكراً يوازي تعليمه إياكم ما لم تكونوا تعلمونه من الشرائع والأحكام التي من جملتها كيفية إقامة الصلاة حالتي الخوف والأمن.
واعلم أن الصلاة بمنزلة الضيافة قد هيأها الله للموحدين في كل يوم خمس مرات فكما في الضيافة تجتمع الألوان من الأطعمة ولكل طعام لذة ولون فكذلك فيها أركان وأفعال مختلفة لكل فعل لذة وتكفير للذنوب، وعن كعب الأحبار أنه قال : قال الله لموسى في مناجاته (يا موسى أربع ركعات يصليها أحمد وأمته وهي صلاة الظهر أعطيهم في أول ركعة منها المغفرة وفي الثانية أثقل موازينهم وفي الثالثة أوكل بهم الملائكة يسبحون ويستغفرون لهم لا يبقى ملك في السماء ولا في الأرض الا ويستغفر لهم ومن استغفرت له الملائكة لم أعذبه أبداً وفي الرابعة أفتح لهم أبواب السماء وتنظر إليهم الحور العين.
يا موسى أربع ركعات يصليها أحمد وأمته وهي صلاة العصر ما يسألون مني حاجة إلا قضيت لهم.
يا موسى ثلاث ركعات يصليها أحمد وأمته وهي صلاة المغرب أفتح لهم أبواب السماء، يا موسى أربع ركعات يصليها أحمد وأمته وهي صلاة العشاء خير لهم من الدنيا وما فيها ويخرجون من الدنيا كيوم ولدتهم أمهاتهم).
ثم اعلم أنه لا يرخص لمن سمع الأذان ترك الجماعة فإنها سنة مؤكدة غاية التأكيد بحيث لو تركها أهل ناحية وجب قتالهم بالسلاح لأنها من شعائر الإسلام ولو تركها أحد منهم بغير عذر شرعي يجب عليه التعزير ولا تقبل شهادته ويأثم الجيران والإمام والمؤذن بالسكوت عنه.
وفي "غنية الفتاوى" : من حضر المسجد الجامع لكثرة جماعة في الصلاة فمسجد محلته أفضل قلّ أهل مسجده أو كثر لأن لمسجده حقاً عليه لا يعارضه كثرة الجماعة ولا زيادة تقوى غيره أو علمه ويبادر الصف الأول على محاذاة الإمام وروي عن النبي عليه السلام أنه قال :
٣٧٣
"يكتب للذي خلف الإمام بحذائه مائة صلاة وللذي في الجانب الأيمن خمس وسبعون صلاة وللذي في جانب الأيسر خمسون صلاة وللذي في سائر الصفوف خمس وعشرون صلاة" كذا في "القنية" ولا يتخطى رقاب الناس إلى الصف الأول إذا وجد فيه فرجة ويتلاصقون بحيث يكونون محاذين بالأعناق والمناكب قال عليه السلام :"رصوا صفوفكم وقاربوا بينها تقارب أشباحكم وحاذوا بالأعناق فوالذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنه الحذف" الخلل بفتح الخاء المعجمة الفرجة والحذف بفتحتي الحاء المهملة والذال المعجمة الغنم السود الصغار الحجازية كذا في "التنوير"، والكلام في أداء الصلاة بالحضور والتوجه التام، قال بعضهم :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧٢
محراب ابروي توا كر قبله ام نبود
كي برفلك برند ملائك نمازمن
ـ يحكى ـ أن الشيخ أبا العباس الجوالقي كان في بداية حاله يعمل الجوالق ويبيع فباع يوماً جوالقاً بنسيئة ونسي المشتري فلما قام إلى الصلاة تفكر في ذلك ثم لما سلم قال لتلميذه : وقعت لي خاطرة في الصلاة أني إلى أي شخص بعت الجوالق الفلاني فقال تلميذه : يا أستاذ أنت في أداء الصلاة أو في تحصيل الجوالق فأثر هذا القول في الشيخ فلبس جوالقاً وترك الدنيا واشتغل بالرياضة إلى أن وصل إلى ما وصل :
مردان بسعي ورنج بجايي رسيده اند
توبى هنر كجارسي از نفس رورى


الصفحة التالية
Icon