والإشارة أن الله تعالى أشار في حفظ الصلاة بصيغة المبالغة التي بين الاثنين وقال :﴿حَـافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ يعني محافظة الصلاة بيني وبينكم كما قال :"قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فنصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل" فمعناه إني حافظكم بقدرة التوفيق والإجابة والقبول والإثابة عليها فحافظوا أنتم على الصلاة بالصدق والإخلاص والحضور والخضوع والمناجاة بالتذلل والانكسار والاستعانة والاستهداء والسكون والوقار والهيبة والتعظيم وحفظ القلوب بدوام الشهود فإنما هي الصلاة الوسطى لأن القلب الذي في وسط الإنسان هو واسطة بين الروح والجسد ولهذا يسمى القلب فالإشارة في تخصيص المحافظة على الصلاة هي صلاة القلب بدوام الشهود فإن البدن ساعة يحفظ صورة أركان الصلاة وهيئتها وساعة يخرج منها فلا سبيل إلى حفظ صورتها بنعت الدوام ولا إلى حفظ معانيها بوصف الحضور والشهود وإنما هو من شأن القلب كقوله تعالى :﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَه قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ (ق : ٣٧) وأنه من نعت أرباب القلوب إنهم في صلاتهم دائمون كذا في "التأويلات النجمية" فليسارع السالكون إلى حرم الحضور قبل الموت والقبور فإن الصلاة بالفتور غير مقبولة عند الله الغيور ولا بد من الإعراض عن الكائنات ليتجلى نور الذات وإلا فمن يستحضر عمراً وينادي زيداً فلا إجابة له أبداً، قال الشيخ سعدي الشيرازي قدس سره :
آنكه ون سته ديديش همه مغز
وست بروست بود همو ياز
ارسايان روى در مخلوق
شت بر قبله ميكنند نماز
ومن الله التوفيق.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧٢
﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ﴾ أي : يموتون يسمى المشارف إلى الوفاة متوفياً تسمية للشيء باسم ما يؤول إليه وقرينة المجاز امتناع الوصية بعد الوفاة ﴿وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾
٣٧٤
أي : يدعون نساء من بعدهم ﴿وَصِيَّةً لازْوَاجِهِم﴾ أي : يوصون وصية لهن والجملة خبر الذين ﴿مَّتَـاعًا﴾ أي : يوصون متاعاً ﴿إِلَى الْحَوْلِ﴾ أو متعوهن تمتيعاً إلى الحول ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ بدل من قوله ﴿مَّتَـاعًا﴾ بدل اشتمال لتحقق الملابسة بين تمتيعهن حولاً وبين عدم إخراجهن من بيوتهن كأنه قيل يوصون لأزواجهم متاعاً أي : لا يخرجن من مساكنهن حولاً أو حال من أزواجهم أي : غير مخرجات والمعنى يجب على الذين يتوفون أن يوصوا قبل الاحتضار لأزواجهم بأن يمتعن بعدهم حولاً بالنفقة والسكنى.
نزلت الآية في رجل من الطائف يقال له حكيم بن الحارث هاجر إلى المدينة وله أولاد ومعه أبواه وامرأته ومات فأنزل الله هذه الآية فأعطى النبي عليه السلام والديه وأولاده من ميراثه ولم يعط امرأته شيئاً وأمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها حولاً وكان عدة الوفاة في ابتداء الإسلام حولاً وكان يحرم على الوارث إخراجها من البيت قبل تمام الحول وكان نفقتها وسكناها واجبة في مال زوجها ما لم تخرج ولم يكن لها الميراث فإن خرجت من بيت زوجها سقطت نفقتها وكان على الرجل أن يوصي بها فكان كذلك حتى نزلت آية الميراث فنسخ الله تعالى نفقة الحول بالربع عند عدم الولد وولد الابن والثمن عند وجودهما وسقطت السكنى أيضاً عند أبي حنيفة ونسخ عدة الحول بأربعة أشهر وعشر فإنه وإن كان متقدماً في التلاوة متأخر في النزول ﴿فَإِنْ خَرَجْنَ﴾ من منزل الأزواج باختيارهن ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ أيها الأئمة والحكام ﴿فِى مَا فَعَلْنَ فِيا أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ﴾ لا ينكره الشرع كالتزين والتطيب وترك الحداد والتعرض للخطاب وهذا يدل على أنه لم يكن يجب عليها ملازمة مسكن الزوج والحداد عليه وإنما كانت مخيرة بين الملازمة وأخذ النفقة وبين الخروج وتركه ﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ﴾ غالب على أمره يعاقب من خالفه ﴿حَكِيمٌ﴾ يراعي في أحكامه مصالح عباده.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧٤
﴿وَلِلْمُطَلَّقَـاتِ﴾ سواء كن مدخولاً بهن أم لا ﴿مَتَـاعُ﴾ أي : مطلق المتعة الشاملة للمستحبة والواجبة فإن كانت المطلقة مفوضة غير مدخول بها وجبت لها المتعة وإن كانت غيرها يستحب لها فلفظ التمتع المدلول عليه بمتعوهن في الآية السالفة يحمل على الواجب فلا منافاة بين الآيتين ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي : متاع ملتبس بالمعروف شرعاً وعادة ﴿حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ أي : مما ينبغي على من كان متقياً فليس بواجب ولكن من شروط التقوى التبرع بهذا تطييباً لقلبها وإزالة للضغن.
﴿كَذَالِكَ﴾ إشارة إلى ما سبق من أحكام الطلاق والعدة أي : مثل ذلك البيان الواضح ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ﴾ الدالة على أحكامه التي شرعها لعباده، قال القاضي وعد بأنه سيبين لعباده من الدلائل والأحكام ما يحتاجون إليه معاشاً ومعاداً ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ لكي تفهموا ما فيها فتستعملوا العقل فيها وتعملوا بموجبها، وفي "المثنوي" :
كشتى بي لنكر آمد مردشر
كه زباد كنيابد أو حذر
لنكر عقلست عاقل را امان


الصفحة التالية
Icon