لنكرى دريوزه كن ازعا قلان
والإشارة أن المطلقة لما ابتليت بالفراق جبراًتعالى كسر قلبها بالمتعة يشير بهذا إلى أن المريد الصادق لو ابتلي في أوان طلبه بفراق الأعزة والأقرباء وهجران الأحبة والأصدقاء والخروج
٣٧٥
من مال الدنيا وجاهها والهجرة من الأوطان وسكانها والتنقل في البلاد لصحبة خواص العباد ومقاساة الشدائد في طلب الفوائد فالله تعالى يبذل له إحسانه ويزيل عنه أحزانه ويجبر كسر قلبه بمتعة "أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي" فيكون للطالب الملهوف متاع بالمعروف من نيل المعروف كذلك يظهر الله لكم آياته أصناف ألطافه وأوصاف أعطافه لعلكم تعقلون بأنوار ألطافه كمالات أوصافه كذا في "التأويلات النجمية" فالعاقل لا ينظر إلى الدنيا وأعراضها بل يعبر عن منافعها وأغراضها ويقاسي الشدائد في طريق الحق إلى أن يصل إلى الذات المطلق.
ـ يحكى ـ عن شقيق البلخي : أنه لم يجد طعاماً ثلاثة أيام وكان مشتغلاً بالعبادة فلما ضعف عن العبادة رفع يده إلى السماء وقال : يا رب أطعمني فلما فرغ من الدعاء التفت فرأى شخصاً ينظر إليه فلما التفت إليه سلم عليه وقال : يا شيخ تعال معي فقام شقيق وذهب معه فأدخله ذلك الرجل في بيت فرأى فيه ألواحاً موضوعة عليها ألوان الأطعمة وعند الخوان غلمان وجواري فأكل والرجل قائم فلما فرغ أراد أن يخرج شقيق من ذلك البيت فقال له الرجل : إلى أين يا شيخ؟ فقال : إلى المسجد فقال : ما اسمك قال شقيق فقال : يا شقيق اعلم أن هذه الدار دارك والعبيد عبيدك وأنا عبدك كنت عبداً لأبيك بعثني إلى التجارة فرجعت الآن وقد توفي أبوك فالدار وما فيها لك قال شقيق : إن كان العبيد لي فهم أحرار لوجه الله وإن كانت الأموال لي وهبتها لكم فاقتسموها بينكم فإني لا أريد شيئاً يمنعني عن العبادة، قال السعدي :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧٤
تعلق حجا بست وبي حاصلي
ويوندها بكسلى واصلي
والدنيا علاقة خصوصاً هذا الزمان زمان الفتنة والشرور فالراقد فيه خير من اليقظان.
ـ حكي ـ أن سليمان عليه السلام أتي بشراب الجنة فقيل له لو شربت هذا لا تموت فتشاور مع حشمه إلا القنفذ قالوا بأجمعهم اشرب ثم أرسل الفرس والبازي إلى القنفذ يدعوانه فلم يجبهما ثم أرسل إليه الكلب فأجابه فقال له سليمان : لم لم تجب الفرس والبازي قال : إنهما جافيان لأن الفرس يعدو بالعدو كما يعدو بصاحبه والبازي يطيع غير صاحبه كما يطيع صاحبه وأما الكلب فإنه ذو وفاء حتى أنه لو طرده صاحبه من الدار يرجع ثانياً فقال له : أشرب هذا الشراب قال : لا تشرب لأنه يطول عمرك في السجن فالموت في العز خير من العيش في السجن.
بهمه حال أسيرى كه زبندي برهد
بهترش دان زاميريكه كرفتار آيد
فقال له سليمان : أحسنت وأمر بإهراقة في البحر فعذب ماء ذلك البحر :
تزود من الدنيا فإنك راحل
وبادر فإن الموت لا شك نازل
وإن امرأ قد عاش سبعين حجة
ولم يتزود للمعاد لجاهل
ودنياك ظل فاترك الحرص بعدما
علمت فإن الظل لا بد زائل
قال السعدي قدس سره :
كه اندر نعمتي مغرور غافل
كهى ازتنك دستي خسته وريش
ودر سرا وضرا حالت اينست
ندانم كى بحق روازي ازخويش
اللهم احفظنا من الموانع.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧٤
﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَـارِهِمْ﴾ جمع دار أي : منازلهم وهذا
٣٧٦
الخطاب وإن كان بحسب الظاهر متوجهاً إلى النبي عليه السلام إلا أنه من حيث المعنى متوجه إلى جميع من سمع بقصتهم من أهل الكتاب وأرباب التواريخ فمقتضى الظاهر أن يقال ألم تسمع قصتهم إلا أنه نزل سماعهم إياها منزلة رؤيتهم تنبيهاً على ظهورها واشتهارها عندهم فخوطبوا بألم تر وهو تعجيب من حال هؤلاء وتقرير أي : حمل على الإقرار بما دخله النفي.
قال الإمام الواحدي : ومعنى الرؤية ههنا رؤية القلب وهي بمعنى العلم انتهى فتعدية الرؤية بإلى مع أنها إدراك قلبي لتضمين معنى الوصول والانتهاء على معنى ألم ينته علمك إليهم.


الصفحة التالية
Icon