وإن وقع عن المقرض لفظاً فهو عن الإقراض معنى كأنه قال أي : قرض الله أحد فيضاعفه وأصل التضعيف أن يزاد على الشيء مثله أو أمثاله ﴿أَضْعَافًا﴾ جمع ضعف حال من الهاء في يضاعفه ﴿كَثِيرَةَ﴾ هذا قطع للأوهام عن مبلغ الحساب أي : لا يعلم قدرها إلا الله.
وقيل الواحد سبعمائة وحكمة تضعيف الحسنات لئلا يفلس العبد إذا اجتمع الخصماء فمظالم العباد توفى من التضعيفات لا من أصل حسناته لأن التضعيف فضل من الله تعالى وأصل الحسنة الواحدة عدل منه واحدة بواحدة.
وذكر الإمام البيهقي : أن التضعيفات فضل من الله تعالى لا يتعلق بها العباد كما لا يتعلق بالصوم بل يدخرها الحق للعبد فضلاً منه سبحانه فإذا دخل الجنة أثابه بها، قال السعدي :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧٨
نكو كاري از مردم نيك رأى
يكى را بده مى نويسد خداي
كرم كن كه فردا كه ديوان نهند
منازل بمقدار إحسان تهند
ولما حثهم على الإخراج سهل عليهم الإقراض وأخبر أنهم لا يمكنهم ذلك إلا بتوفيقه فقال :﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ﴾ يقتر على بعض ﴿وَيَبْصاُطُ﴾ يوسع على بعض أو يقتر تارة ويوسع أخرى حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم والمصالح وإذا علم العبد ذلك هان عليه الإعطاء لأن الله تعالى هو الرزاق وهو الذي وسع عليه فهو يسأل منه ما أعطاه ولأنه يخلفه عليه في الدنيا ويثيبه عليه في العقبى فكأن الله تعالى يقول إذا علمتم أن الله هو القابض والباسط وأن ما عندكم إنما هو من بسطه وإعطائه فلا تبخلوا عليه فأقرضوه وأنفقوا مما وسع عليكم وأعطاكم ولا تعكسوا بأن تبخلوا لئلا يعاملكم مثل معاملتكم في التعكيس بأن يقبض بعدما بسط.
ولعل تأخير البسط عن القبض في الذكر للإيماء إلى أنه يعقبه في الوجود تسلية للفقراء.
قال الإمام الغزالي في "شرح الأسماء الحسنى" : القابض الباسط : هو الذي يقبض الأرواح من الأشباح عند الممات ويبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة ويقبض الصدقات من الأغنياء ويبسط الأرزاق للضعفاء يبسط الرزق على الأغنياء حتى لا تبقى فاقة ويقبضه من الفقراء حتى لا تبقى طاقة ويقبض القلوب فيضيقها بما يكشف لها من قلة مبالاته وتعاليه وجلاله ويبسطها لما يقرب إليها من بره ولطفه وجماله والقابض الباسط من العباد من ألهم بدائع الحكم وأوتي جوامع الكلم فتارة يبسط قلوب العباد بما يذكرهم من آلاء الله ونعمائه وتارة يقبضها بما ينذرهم به من جلال الله وكبريائه وفنون عذابه وبلائه وانتقامه من أعدائه كما فعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حيث قبض قلوب الصحابة عن الحرص على العبادة حيث ذكرهم أن الله يقول لآدم يوم القيامة ابعث بعث النار فيقول : كم؟ فيقول : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فانكسرت قلوبهم حتى فتروا عن العبادة فلما أصبح ورآهم على ما هم عليه من القبض والفتور روح قلوبهم وبسطها فذكر أنهم في سائر الأمم كشامة سوداء في مسك ثور أبيض انتهى.
قال القشيري في "رسالته" : القبض والبسط حالتان بقدر ترقي العبد عن حال الخوف والرجاء والقبض للعارف بمنزلة الخوف للمستأنف والبسط للعارف بمنزلة الرجاء للمستأنف ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فيجازيكم على ما قدمتم من الأعمال خيراً وشراً على الجود بالجنة وعلى البخل بالنار وهو وعد ووعيد أو هو تنبيه على أن الغني لمفارق ماله بالموت فليبادر إلى الإنفاق قبل الفوت.
واجتمع جماعة من الأغنياء والفقراء فقال غني : إن الله تعالى
٣٨٠
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٧٨
رفع درجاتنا حتى استقرض منا وقال فقير : بل رفع درجاتنا حتى استقرض لنا والواحد قد يستقرض من غير الحبيب ولك أن لا تستقرض إلا لأجل الحبيب وقبض رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ودرعه عند يهودي بشعير أخذه لقوت عياله.
انظر ممن استدان ولمن استدان وفي الحديث "يقول الله تعالى يوم القيامة ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني قال رب كيف أطعمك وأنت رب العزة قال استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي" فالقرض لا يقع عند المحتاج فكأنه ذكر نفسه ونزل وصفه منزلة المحتاج كقوله : مرضت فلم تعدني جعت فلم تطعمني شفقة وتلطيفاً للفقير والمريض وهذا من باب التنزلات الرحمانية عند المحققين لتكميل محبة العبد وجذبه إلى حظرة أهل الشهود من عباده إذ جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين وذلك إذا شاهد العبد الفقير جلوة جمال الرحمن في أطوار تنزلاته في المشاهد الأعيانية، وفي "المثنوي" :
روي خوبان زانيه زيبا شود
روى إحسان از كدا يدا شود
ون كدا آيينه جودست هان
دم بود بر روى آيينه زيان
س ازين فرمود حق در والضحى
بانك كم زن اي محمد بر كدا