أي : أظهروا الشدة.
وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه السواد الأعظم هو الواحد على الحق والحكمة لا تقتضي اتفاق الكل على الإخلاص والإقبال الكلي على الله فإن ذلك مما يخل بأمر المعاش ولذلك قيل لولا الحمقى لخربت الدنيا بل تقتضي ظهور ما أضيف إليه كل من اليدين فللواحدة المضاف إليها عموم السعداء الرحمة والجنان وللأخرى القهر والغضب ولوازمهما فلا بد من الغضب لتكميل مرتبة قبضة الشمال فإنه وإن كان كلتا يديه يميناً مباركة لكن حكم كل واحدة يخالف الأخرى، فعلى العاقل أن يحترز من أسباب الغضب ويجتهد في نيل كرم الرب.
قال علي كرم الله وجهه :(من ظن أنه بدون الجهد يصل فهو متمننٍ، ومن ظن أنه بذل الجهد فهو متعنٍ) اللهم أفضل علينا من سجال فضلك وكرمك وأوصلنا إليك بك يا أرحم الراحمين.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨١
﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ﴾ وذلك أن أشمويل لما سأل الله تعالى أن يبعث لهم ملكاً أتى بعصا وقرن فيه دهن القدس وقيل له : إن صاحبكم الذي يكون ملكاً طوله طول هذه العصا وانظر القرن الذي فيه الدهن فإذا دخل عليك رجل ونش الدهن الذي في القرن فهو ملك بني إسرائيل فدهن به رأسه وملك عليهم.
قال وهب : ضلت حمر لأبي طالوت فأرسله وغلاماً له في طلبها فمرا ببيت أشمويل فقال الغلام : لو دخلنا على هذا النبي فسألنا عن الحمر ليرشدنا ويدعو لنا بحاجتنا فدخلا عليه فبينما هما عنده يذكران له شأن الحمر إذ نش الدهن الذي في القرن فقام أشمويل فقاس طالوت بالعصا فكان على طولها فقال لطالوت قرب رأسك فقربه فدهنه بدهن القدس ثم قال له : أنت ملك بني إسرائيل الذي أمرني الله أن أملكه عليهم قال : بأي آية؟ قال : بآية أنك ترجع وقد وجد أبوك حمره فكان كذلك ثم قال أشمويل لبني إسرائيل :﴿إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ﴾ اسم أعجمي ممتنع من الصرف لتعريفه وعجمته ﴿مَلِكًا﴾ حال منه أي : فأطيعوه وقاتلوا عدوكم معه ﴿قَالُوا﴾ متعجبين من ذلك ومنكرين قيل : إنهم كفروا بتكذيبهم نبيهم وقيل : كانوا مؤمنين لكن تعجبوا وتعرفوا وجه الحكمة
٣٨٣
في تمليكه كما قال الملائكة :﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾ (البقرة : ٣٠) ﴿أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا﴾ من أين يكون له ذلك ويستأهل ﴿وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ﴾ أولى بالرياسة عليه منه بالرياسة علينا ﴿وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ﴾ أي : لم يعط ثروة وكثرة من المال فيشرف بالمال إذا فاته الحسب يعني كيف يتملك علينا والحال أنه لا يستحق التملك لوجود من هو أحق منه ولعدم ما يتوقف عليه الملك من المال ولا بد للملك من مال يقتصد به.
وسبب هذا الاستبعاد أن النبوة كانت مخصوصة بسبط معين من أسباط بني إسرائيل وهو سبط لاود بن يعقوب ومنه كان موسى وهارون وسبط المملكة سبط يهودا بن يعقوب ومنه كان داود وسليمان ولم يكن طالوت من أحد هذين السبطين بل هو من ولد بنيامين بن يعقوب وكانوا عملوا ذنباً عظيماً ينكحون النساء على ظهر الطريق نهاراً فغضب الله عليهم ونزع الملك والثروة منهم وكانوا يسمونه سبط الإثم وكان طالوت يتحرف بحرفة دنية كان رجلاً دباغاً يعمل الأدم فقيراً أو سقاءً أو مكارياً
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨٣
﴿قَالَ﴾ لهم نبيهم رداً عليهم﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَـاهُ عَلَيْكُمْ﴾ أي : اختاره فإن لم يكن له نسب ومال فله فضيلة أخرى وهو قوله :﴿وَزَادَه بَسْطَةً﴾ أي : سعة وامتداداً ﴿فِي الْعِلْمِ﴾ المتعلق بالملك أو به وبالديانات أيضاً ﴿وَالْجِسْمِ﴾ بطول القامة وعظم التركيب لأن الإنسان يكون أعظم في النفوس بالعلم وأهيب في القلوب بالجسم وكان أطول من غيره برأسه ومنكبيه حتى أن الرجل القائم كان يمد يده فينال رأسه لما استبعدوا تملكه بسقوط نسبه وبفقره رد عليهم ذلك أولاً بأن ملاك الأمر هو اصطفاء الله وقد اختاره عليكم وهو أعلم بالمصالح منكم وثانياً بأن العمدة فيه وفور العلم ليتمكن به من معرفة أمور السياسة وجسامة البدن ليعظم خطره في القلوب ويقدر على مقاومة الأعداء ومكابدة الحروب وقد خصه الله تعالى منهما بحظ وافر ﴿وَاللَّهُ يُؤْتِى مُلْكَه مَن يَشَآءُ﴾ لما أنه مالك الملك والملكوت فعال لما يريد فله أن يؤتيه من يشاء من عباده ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ﴾ يوسع على الفقير ويغنيه ﴿عَلِيمٌ﴾ بمن يليق بالملك ممن لا يليق به.
وفي "التأويلات النجمية" : إنما حرم بنو إسرائيل من الملك لأنهم كانوا معجبين بأنفسهم متكبرين على طالوت ناظرين إليه بنظر الحقارة من عجبهم قالوا ونحن أحق بالملك منه ومن تكبرهم عليه قالوا : أنى يكون له الملك علينا؟ ومن تحقيرهم إياه قالوا ولم يؤت سعة من المال فلمّا تكبروا وضعهم الله وحرموا من الملك، قال السعدي قدس سره :
يكى قطره باران زابرى كيد
خجل شد وهناي دريا بديد
كه جايى كه درياست من كيستم
كر أوهست حقاكه من نيستم
و خودرا بشم حقارت بديد
صدف دركنارش بجان روريد