سهرش بجايى رسانيد كار
كه شد نامور لؤلؤي شاهوار
بلندي ازان يأفت كوست شد
درنيستي كوفت تاهست شد
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨٣
ومن بلاغات الزمخشري كم يحدث بين الخبيثين ابن لا يعابن والفرث والدم يخرج من بينهما اللبن يعني حدوثاً كثيراً يحدث بين الزوجين الخبيثين ابن طيب لا يعاب بين الناس ولا يذكر بقبيح وهذا غير مستبعد لأن اللبن يخرج من بين السرجين والدم وهما مع كونهما مستقذرين لا يؤثران في اللبن بشيء من طعمهما ولونهما بل يحدث اللبن من بينهما لطيفاً نظيفاً سائغاً
٣٨٤
للشاربين.
قالوا : يخلق الله اللبن وسيطاً بين الفرث والدم يكتنفانه وبينه وبينهما برزخ من قدرة الله لا يبغي أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة بل هو خالص من ذلك كله.
قيل : إذا أكلت البهيمة العلف فاستقر في كرشها وهو من الحيوان بمنزلة المعدة من الإنسان طبخته فكان أسفله فرثاً وأوسطه مادة اللبن وأعلاه مداة الدم والكبد مسلطة على هذه الأصناف الثلاثة تقسمها فتجري الدم في العروق واللبن في الضروع وتبقي الفرث في الكرش فسبحان الله ما أعظم قدرته وألطف حكمته لمن تأمل والإنسان له استعداد الصلاح والفساد فتارة يظهر في الأولاد الصلاح المبطون في الآباء وتارة يكون الأمر بالعكس وأمر الإيجاد يدور على الإظهار والإبطان فانظر إلى آدم وإبنيه قابيل وهابيل ثخ وثم إلى انتهاء الزمان.
والحاصل أن طالوت ولو كان أخس الناس عند بني إسرائيل لكنه عظيم شريف عند الله لما أن النظر الإلهي إذا تعلق بحجر يجعله جوهراً وبشوك يجعله ورداً وريحاناً فلا معترض لحكمه ولا راد لقضائه فالوضيع من وضعه الله وإن كان قد رفعه الناس والرفيع من رفعه الله وإن كان قد وضعه الناس.
والعاقل إذا تأمل أمثال هذا يجد من نفسه الإنصاف والسكوت وتفويض الأمر إلى الحي الذي لا يموت والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨٣
﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ﴾ طلبوا علامة من نبيهم على كون طالوت ملكاً عليهم فقالوا : ما آية ملكه؟ فقال :﴿إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِهِ﴾ أي : علامة سلطنته ﴿أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ﴾ من التوب وهو الرجوع وسمي تابوتاً لأنه ظرف توضع فيه الأشياء وتودع فلا يزال يرجع إليه ما يخرج منه وصاحبه يرجع إليه فيما يحتاج إليه من مودعاته والمراد به صندوق التوراة وكان قد رفعه الله بعد وفاة موسى عليه السلام سخطاً على بني إسرائيل لما عصوا واعتدوا، فلمّا طلب القوم من نبيهم آية تدله على ملك طالوت قال لهم : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت من السماء والملائكة يحفظونه فأتاهم كما وصف والقوم ينظرون إليه حتى نزل عند طالوت وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال أرباب الأخبار : إن الله تعالى أنزل على آدم عليه السلام تابوتاً فيه تماثيل الأنبياء عليهم السلام من أولاده وكان من عود الشمشار ونحواً من ثلاثة أذرع في ذراعين فكان عند آدم عليه السلام إلى أن توفي فتوارثه أولاده واحد بعد واحد إلى أن وصل إلى يعقوب عليه السلام ثم بقي في أيدي بني إسرائيل إلى أن وصل إلى موسى عليه السلام فكان يضع فيه التوراة ومتاعاً من متاعه وكان إذا قاتل قدمه فكانت تسكن إليه نفوس بني إسرائيل وكان عنده إلى أن توفي ثم تداولته أيدي بني إسرائيل وكانوا إذا اختلفوا في شيء تحاكموا إليه فيكلمهم ويحكم بينهم وكانوا إذا حضروا القتال يقدمونه بين أيديهم ويستفتحون به على عدوهم وكانت الملائكة تحمله فوق العسكر ثم يقاتلون العدو فإذا سمعوا في التابوت صيحة استيقنوا النصر فلما عصوا وفسدوا سلط الله عليهم العمالقة فغلبوهم على التابوت وسلبوه وجعلوه في موضع البول والغائط فلما أراد الله أن يملك طالوت سلط الله عليهم البلاء حتى أن كل من بال عنده ابتلي بالبواسير وهلكت من بلادهم خمس مدائن فعلم الكفار أن ذلك سبب استهانتهم بالتابوت فأخرجوه وجعلوه على عجلة وعقلوها على ثورين فأقبل الثوران يسيران وقد وكل الله بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما حتى أتيا
٣٨٥
منزل طالوت فلما سألوا نبيهم البينة على ملك طالوت قال لهم النبي : إن آية ملكه أنكم تجدون التابوت في داره فلما وجدوه عنده أيقنوا بملكه فالإتيان على هذا مجاز لأنه أتى به ولم يأت هو بنفسه فنسب الإتيان إليه توسعاً كما يقال : ربحت التجارة وعلى الوجه الأول حقيقة ﴿فِيهِ﴾ أي : في إتيان التابوت ﴿سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ أي : سكون لكم وطمأنينة كائنة من ربكم أو الضمير للتابوت، قال بعض المحققين السكينة تطلق على ثلاثة أشياء بالاشتراك اللفظي.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٣٨٥
أولها ما أعطى بنو إسرائيل في التابوت كما قال تعالى :﴿إِنَّ ءَايَةَ مُلْكِه أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ قال المفسرون هي ريح ساكنة طيبة تخلع قلب العدو بصوتها رعباً إذا التقى الصفان وهي معجزة لأنبيائهم وكرامة الملوك.


الصفحة التالية
Icon