والثالث : البقاء في الملك الأبدي، والنعيم السرمدي، ووجدان ملك لا زوال له، ونعيم لا انتقال له، وسرور لا حزن معه، وشباب لا هرم معه، وراحة لا شدة معها، وصحة لا علة معها، ونيل نعيم لا حساب معه، ولقاء لا حجاب له كذا في تفسير "التيسير".
وقد تشبثت الوعيدية بالآية في خلود الفساق من أهل القبلة في العذاب ورد بأن المراد بالمفلحين الكاملون في الفلاح ويلزمه عدم كمال الفلاح لمن ليس على صفتهم لا عدم الفلاح لهم رأساً كما في "تفسير البيضاوي".
قال الشيخ نجم الدين داية قدس سره : ذكر هدى بالنكرة أي : على كشف من كشوف ربهم ونور من أنواره وسر من أسراره ولطف من ألطافه وحقيقة من حقائقه فإن جميع ما أنعم الله به على أنبيائه وأوليائه بالنسبة إلى ما عنده من كمال ذاته وصفاته وإنعامه وإحسانه قطرة من بحر محيط لا يعتريه القصور من الإنفاق أبداً كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم "يمين الله ملأى لا ينقصها نفقة سخاء الليل والنهار" وفيه إشارة لطيفة وهي أنهم بذلك الهدى آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون وأولئك هم المفلحون الذين تخلصوا من حجب الوجود بنور نار الصلاة وشاهدوا الآخرة وجذبتهم العناية بالهداية إلى مقامات القربة وسرادقات العزة فما نزلوا بمنزل دون لقائه وما حطوا رحالهم إلا بفنائه فازوا بالسعادة العظمى والمملكة الكبرى ونالوا الدرجة العليا وحققوا قول الحق ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ (العلق : ٨) انتهى كلام الشيخ في "تأويلاته" قال المولى جلال الدين قدس سره :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢
كرهمي خواهي كه بفروزي وروز
هستىء همون شب خودرا بسوز
هستيت درهست آن هستي نواز
همومس در كيميا اندر كداز
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٢
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ لما ذكر خاصة عباده وخالصة أوليائه بصفاتهم التي أهلتهم للهدى والفلاح عقبهم أضدادهم العتاة المردة الذين لا ينفع فيهم الهدى ولا يغنب عنهم الآيات
٤٤
والنذر وتعريف الموصوف إما للعهد والمراد به ناس بأعيانهم كأبي لهب وأبي جهل والوليد بن المغيرة وأحبار اليهود أو للجنس متناولاً كل من صمم على كفرهم تصميماً لا يرعوي بعده وغيرهم فخص منهم غير المصرين بما أسند إليه.
والكفر لغة : الستر والتغطية وفي الشريعة : إنكار ما علم بالضرورة مجيء الرسول صلى الله عليه وسلّم به وإنما عدّ لباس الغيار وشد الزنار بغير اضطرار ونظائرهما كفراً لدلالته على التكذيب فإن من صدق النبي صلى الله عليه وسلّم لا يكاد يجترىء على أمثال ذلك إذ لا داعي إليه كالزنى وشرب الخمر لا لأنه كفر في نفسه.
والكافر في القرآن على أربعة أوجه :
أحدها نقيض المؤمن قال الله تعالى :﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (النحل : ٨٨).
والثاني الجاحد قال تعالى :﴿وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران : ٩٧) أي : جحد وجوب الحج.
والثالث نقيض الشاكر قال تعالى :﴿وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾ (البقرة : ١٥٢).
والرابع المتبرىء قال تعالى :﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ﴾ (العنكبوت : ٢٥) أي : يتبرأ بعضكم من بعض كذا في "التيسير".
وقال في "البغوي" : الكفر على أربعة أوجه : كفر الإنكار : وهو أن لا يعرف الله أصلاً ولا يعترف به وكفر الجحود : وهو أن يعرف الله بقلبه ولا يقر بلسانه ككفر إبليس قال الله تعالى :﴿فَلَمَّا جَآءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ (البقرة : ٨٩) وكفر العناد وهو أن يعرف بقلبه ولا يعترف بلسانه ولا يدين به ككفر أبي طالب حيث يقول :
ولقد علمت بأن دين محمد
من خير أديان البرية ديناً
لولا الملامة أو حذار مسبة
لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٤