وكفر النفاق وهو أن يقر باللسان ولا يعتقد بالقلب وجميع هذه الأنواع سواء في أن من لقي الله بواحد منها لا يغفر له انتهى كلام البغوي لكن الكلام في أبي طالب سيجيء عند قوله تعالى :﴿وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحَـابِ الْجَحِيمِ﴾ (البقرة : ١١٩) ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾ أي : عندهم وهو اسم بمعنى الاستواء نعت به كما ينعت بالمصادر مبالغة قال الله تعالى :﴿تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَآءا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ (آل عمران : ٦٤) وارتفاعه على أنه خبر لأن وقوله تعالى :﴿ءَأَنذَرْتَهُمْ﴾ يا محمد ﴿أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ﴾ مرتفع على الفاعلية لأن الهمزة وأم مجردتان عن معنى الاستفهام لتحقيق معنى الاستواء بين مدخوليهما كما جرد الأمر والنهي لذلك عن معنييهما في قوله عز وجل :﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ (التوبة : ٨٠) وحرف النداء في قولك : اللهم اغفر لنا أيتها العصابة وعن معنى الطلب لمجرد التخصيص كأنه قيل : إن الذين كفروا مستو عليهم أنذارك وعدمه كقولك إن زيداً مختصم أخوه وابن عمه.
وأصل الإنذار الإعلام بأمر مخوف وكل منذر معلم وليس كل معلم منذراً كما في تفسير أبي الليث والمراد ههنا التخويف من عذاب الله وعقابه على المعاصي وإنما اقتصر عليه لما أنهم ليسوا بأهل للبشارة أصلاً ولأن الإنذار أوقع في القلوب وأشد تأثيراً في النفوس فإن دفع المضار أهم من جلب المنافع فحيث لم يتأثروا به فلأن لا يرفعوا للبشارة رأساً أولى، وإنما لم يقل سواء عليك كما قال لعبدة الأصنام :﴿سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَـامِتُونَ﴾ (الأعراف : ١٩٣) لأن إنذارك وترك إنذارك ليسا سواء في حقك لأنك تثاب على الإنذار وإن لم يؤمنوا فأما في حقهم فهما سواء لأنهم لا يؤمنون في الحالين وهو نظير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه يثاب به الآمر وإن لم يعمل به المأمور وكان هؤلاء القوم كقوم هود الذين قالوا لهود عليه السلام :﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ﴾ (الشعراء : ١٣٦) وقال تعالى في حق هؤلاء ﴿سَوَا ءٌ عَلَيْهِمْ﴾ (البقرة : ٦) الخ ويقال لهم في القيامة ﴿اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٤