الطور : ١٦) واخبر عنهم أنهم يقولون ﴿سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ﴾ (إبراهيم : ٢١) فلما كان الوعظ وتركه سواء كان صبرهم في النار وتركه سواء وجزعهم فيها وتركه سواء وأنت إذا كان عصيانك في الشباب والشيب سواء وتماديك في الصحة والمرض سواء وإعراضك في النعمة والمحنة سواء وقسوتك على القريب والبعيد سواء وزيغك في السر والعلانية سواء أما تخشى أن تكون توبتك عند الموت وإصرارك عند النزع وسكوتك سواء وزيارة الصالحين لك وامتناعهم سواء وقيام الشفعاء بأمرك وتركهم سواء كذا في تفسير "التيسير" ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ جملة مستقلة مؤكدة لما قبلها مبينة لما فيه من إجمال ما فيه الاستواء فلا محل لها من الإعراب ثم هذا تخفيف للنبي عليه السلام وتفريغ لقلبه حيث أخبره عن هؤلاء بما أخبر به نوحاً صلوات الله عليه وعلى سائر الأنبياء في الانتهاء فإنه قال تعالى لنوح عليه السلام بعد طول الزمان ومقاساة الشدائد والأحزان ﴿أَنَّه لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلا مَن قَدْ ءَامَنَ﴾ (هود : ٣٦) فدعا بهلاكهم بعد ذلك وكذلك سائر الأنبياء.
وفي الآية الكريمة إخبار بالغيب على ما هو به إن أريد بالموصول أشخاص بأعيانهم فهي من المعجزات الباهرة وفي الآية إثبات فعل العباد فإنه قال لا يؤمنون وفيه إثبات الاختيار ونفى الإكراه والإجبار فإنه لم يقل لا يستطيعون بل قال لا يؤمنون.
فإن قلت : لما علم الله أنهم لا يؤمنون فلم أمر النبي عليه السلام بدعائهم.
قلت : فائدة الإنذار بعد العلم بأنه لا ينجع إلزام الحجة كما أن الله تعالى بعث موسى إلى فرعون ليدعوه إلى الإسلام وعلم أنه لا يؤمن قال الله تعالى :﴿رُّسُلا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةُا بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ (النساء : ١٦٥) وقال :﴿وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَـاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِه لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ ءَايَـاتِكَ﴾ (طه : ١٣٤).
فإن قلت : لما أخبر الله رسوله أنهم لا يؤمنون؟ فهلا أهلكهم كما أهلك قوم نوح بعدما أخبر أنهم لا يؤمنون.
قلت : لأن النبي عليه السلام كان رحمة للعالمين كما ورد به الكتاب وقد قال الله تعالى :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ (الأنفال : ٣٣) ثم إن الإخبار بوقوع الشيء أو عدمه لا ينفي القدرة عليه كإخباره تعالى عما يفعله هو أو العبد باختياره فلا يلزم جواز تكليف ما لا يطاق.
قال الإمام القشيري : من كان في غطاء صفته محجوباً عن شهود حقه فسيان عنده قول من دلّه على الحق وقول من أعانه على استجلاب الحظ بل هو إلى داعي الغفلة أميل وفي الإصغاء إليه أرغب وكما أن الكافر لا يرعوي عن ضلالته لما سبق من شقاوته فكذلك المربوط بأغلال نفسه محجوب عن شهود غيبه وحقه فهو لا يبصر رشده ولا يسلك قصده.
وقال أيضاً : إن الذي بقي في ظلمات دعاويه سواء عنده نصح الراشدين وتسويلات المبطلين لأن الله تعالى نزع من أحواله بركات الإنصاف فلا يصغي إلى داعي الرشاد كما قيل :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٤
وعلى النصوح نصيحتي
وعلى عصيان النصوح
وفي "التأويلات النجمية" ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي : جحدوا ربوبيتي بعد إقرارهم في عهد الست بربكم بإجابة بلى وستروا صفاء قلوبهم برين ما كسبوا من أعمالهم الطبيعية النفسانية وأفسدوا حسن استعدادهم من فطرة الله التي فطر الناس عليها باكتساب الصفات
٤٦