كذا في الرسالة المسماة "بالأمر المحكم المربوط فيما يلزم أهل طريق الله من الشروط" للشيخ الأكبر قدس سره الأطهر فظهر من هذا أن الأسرار لا توهب إلا للأمناء والأنوار لا تفيض إلا على الأدباء، قال الحافظ قدس سره :
حديث دوست نكويم مكر بحضرت دوست
كه آشنا سخن آشنانكه دارد
وفي "التأويلات النجمية" ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ هم الذين نسوا الله ومعاهدته يوم الميثاق فمنهم ﴿مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ﴾ يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم فإن الإيمان الحقيقي ما يكون من نور الله الذي يقذفه الله في قلوب خواصه ﴿وَبِالْيَوْمِ الاخِرِ﴾ أي : بنور الله يشاهد الآخرة فيؤمن به فمن لم ينظر بنور الله فلا يكون مشاهداً لعالم الغيب فلا يعلم الغيب فلا يكون مؤمناً بالله وباليوم الآخر ولهذا قال :﴿وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ أي : بالذين يؤمنون من نور الله تعالى وفيه معنى آخر وما هم بمستعدين للهداية إلى الإيمان الحقيقي لأنهم في غاية الغفلة والخذلان انتهى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥١
﴿يُخَـادِعُونَ اللَّهَ﴾ (البقرة : ٩) بيان ليقول في الآية السابقة وتوبيخ لما هو غرضهم مما يقولون أو استئناف وقع جواباً عن سؤال ينساق إليه الذهن كأنه قيل ما لهم يقولون ذلك وهم غير مؤمنين فقيل يخادعون إلخ أي : يخدعون وإنما أخرج في زنة فاعل للمبالغة وخداعهم مع الله سبحانه ليس على ظاهره لأنه لا تخفى عليه خافية ولأنهم لم يقصدوا خديعته بل المراد إما مخادعة رسوله على حذف المضاف أو على أن معاملة الرسول معاملة الله من حيث أنه خليفته في أرضه والناطق عنه بأوامره ونواهيه مع عباده ففيه رفع درجة النبي صلى الله عليه وسلّم حيث جعل خداعه خداعه، وإما أن صورة صنعهم مع الله من إظهار الإيمان واستبطان الكفر وصنع الله معهم من إجراء أحكام المسلمين عليهم وهم عنده تعالى أخبث الكفار وأهل الدرك الأسفل من النار استدراجاً لهم وامتثال الرسول والمؤمنين أمر الله تعالى في إخفاء حالهم وإجراء حكم الإسلام عليهم مجازاة لهم بمثل صنيعهم صورة صنع المخادعين فتكون المخادعة بين الاثنين والخدع أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه ليوقعه فيه من حيث لا يحتسب أو يوهمه المساعدة على ما يريد هو به ليغتر بذلك فينجو منه بسهولة من قولهم ضب خادع وخدع وهو الذي إذا أمر الحارش يده على باب حجره يوهمه الإقبال عليه فيخرج من بابه الآخر وكلا المعنيين مناسب للمقام فإنهم كانوا يريدون بما صنعوا أن يطلعوا على أسرار المؤمنين فيذيعوها إلى منابذيهم أي : يشيعوها إلى مخالفيهم وأعدائهم وأن يدفعوا عن أنفسهم ما يصيب سائر الكفرة من القتل والنهب والأسر وأن ينالوا به نظم مصالح الدنيا جميعاً كأن يفعل بهم ما يفعل بالمؤمنين من الإعطاء ﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ أي : يخادعون المؤمنين بقولهم إذا رأوهم آمنا وهم غير مؤمنين وهو عطف على الأول ويجوز حمله على الحقيقة في حقهم فإنهم وسعهم كذا في "التيسير" ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُمْ﴾ النفس ذات الشيء حقيقته وقد يقال للرروح لأن نفس الحي به وللقلب لأنه محل الروح أو متعلقه وللدم لأن قوامها به وللماء أيضاً لشدة حاجتها إليه والمراد هنا هو المعنى الأول لأن المقصود بيان أن ضرر مخادعتهم راجع إليهم لا يتخطاهم إلى غيرهم أي : يفعلون ما يفعلون والحال أنهم ما يضرون بذلك إلا أنفسهم فإن
٥٣
دائرة فعلهم مقصورة عليهم ومن حافظ على الصيغة قال وما يعاملون تلك المعاملة الشبيهة بمعاملة المخادعين إلا أنفسهم لأن ضررها لا يحيق إلا بهم ووبال خداعهم راجع إليهم لأن الله تعالى يطلع نبيه صلى الله عليه وسلّم على نفاقهم فيفضحون في الدنيا ويستوجبون العقاب في العقبى، قال المولى جلال الدين قدس سره :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٥٣
بازىء خود ديدى أي : شطرنج باز
بازىء خصمت ببين دور ودراز


الصفحة التالية
Icon