﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ اليوم في العرف عبارة عما بين طلوع الشمس وغروبها من الزمان وفي الشرع عما بين طلوع الفجر الثاني وغروب الشمس والمراد ههنا مطلق الوقت لعدم الشمس ثم أي مالك الأمر كله في يوم الجزاء فإضافة اليوم إلى الدين لأدنى ملابسة كإضافة سائر الظروف إلى ما وقع فيها من الوادث كليوم الأحزاب ويوم الفتح وتخصيصه إما لتعظيمه وتهويله أو لبيان تفرده بإجراء الأمر فيه وانقطاع العلائق بين الملاك والأملاك حينئذ بالكلية ففي ذلك اليوم لا يكون مالك ولا قاض ولا مجاز غيره وأصل الملك والملك الربط والشد والقوة فللّه في الحقيقة القوة الكاملة والولاية النافذة والحكم الجاري والتصرف الماضي وهو للعباد مجاز إذ لملكهم بداية ونهاية وعلى البعض لا الكل وعلى الجسم لا العرض وعلى النفس لا النفس لا النفس وعلى الظاهر لا الباطن وعلى الحي لا الميت بخلاف المعبود الحق إذ ليس لملكه زوال ولا لملكه انتقال وقراءة مالك بالألف أكثر ثواباً من ملك لزيادة حرف فيه.
يحكى عن أبي عبد الله محمد بن شجاع الثلجي رحمه الله تعالى أنه قال : كان من عادتي قراءة مالك فسمعت من بعض الأدباء أن ملك أبلغ فتركت عادتي وقرأت ملك فرأيت في المنام قائلاً يقول : لم نقصت من حسناتك عشراً أما سمعت قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم "من قرأ القرآن كتب له بكل حرف عشر حسنات محيت عنه عشر سيآت ورفعت له عشر درجات" فانتبهت فلم أترك عادتي حتى رأيت ثانياً في المنام أنه قيل لي : لم لا تترك هذه العادة أما سمعت قول النبيّ صلى الله عليه وسلّم "اقرأوا القرآن فخماً مفخماً" أي عظيماً معظماً فأتيت قطرباً وكان إماماً في اللغة فسألته ما بين المالك والملك فقال : بينهما فرق كثير، أما المالك فهو الذي ملك شيئاً من الدنيا وأما الملك فهو الذي يملك الملوك.
قال في تفسير الإرشاد : قرأ أهل الحرمين المحترمين ملك من الملك الذي هو عبارة عن السلطان القاهر والاستيلاء الباهر والغلبة التامة والقدرة على التصرف الكلي في أمور العامة والنهي وهو الأنسب بمقام الإضافة إلى يوم الدين انتهى.
ولكل وجوه ترجيح ذكرت في التفاسير فلتطالع ثمة.
والوجه في سرد الصفات الخمس كأنه يقول : خلقتك فأنا إله ثم ربيتك بالنعم فأنا رب ثم عصيت فسترت عليك فأنا رحمن ثم تبت فغفرت فأنا رحيم.
١٥
ثم لا بد من الجزاء فأنا مالك يوم الدين.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٥


الصفحة التالية
Icon