وفي "التأويلات النجمية" الإشارة في ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ أن الدين في الحقيقة الإسلام يدل عليه قوله تعالى :﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الاسْلَامُ﴾ (آل عمران : ١٩) والإسلام على نوعين إسلام بالظاهر وإسلام بالباطن فإسلام الظاهر بإقرار اللسان وعمل الأركان فهذا الإسلام جسداني والجسداني ظلماني ويعبر عن الليل بالظلمة وأما إسلام الباطن فبانشراح القلب والصدر بنور الله تعالى فهذا الإسلام الروحاني نوراني ويعبر عن اليوم بالنور فالإسلام الجسداني يقتضي إسلام الجسد لأوامر الله ونواهيه والإسلام الروحاني يقتضي استسلام القلوب والروح لأحكام الأزلي وقضائه وقدره فمن كان موقوفاً عند الإسلام الجسداني ولم يبلغ مرتبة الإسلام الروحاني وهو بعد في سير ليلة الدين متردد ومتحير فيرى ملوكاً وملاكاً كثيرة كما كان حال الخليل عليه السلام فلما جنّ عليه الليل رأى كوكباً قال : هذا ربي ومن تنفس صح سعادته وطلعت شمس الإسلام الروحاني من وراء جبل نفسه من مشرق القلب فهو على نور من ربه واضح في كشف يوم الدين فيكون ورد وقته أصبحنا وأصبح الملك.
فيشاهد بعين اليقين بل يكاشف حق اليقين أن الملكولا مالك إلا مالك يوم الدين فإذا تجلى له النهار وكشف بالمالك جهاراً يخاطبه وجاهاً ويناجيه شفاهاً ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ ومن لطائف مالك يوم الدين أن مخالفة الملك تأول إلى خراب العالم وفناء الخلق فكيف مخالفة ملك الملوك كما قال الله تعالى في سورة مريم :﴿تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ﴾ (مريم : ٩٠) والطاعة سبب المصالح كما قال تعالى :﴿نَّحْنُ نَرْزُقُكَا وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى﴾ (طه : ١٣٢) فعلى الرعية مطاوعة الملوك وعلى الملوك مطاوعة ملك الملوك لينتظم مصالح العالم، ومن لطائفه أيضاً أن مالك يوم الدين يبين أن كمال ملكه بعدله حيث قال :﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْاًا﴾ (الأنبياء : ٤٧) فالملك المجازي إن كان عادلاً كان حقاً فدرّت الضروع ونمت الزروع وإن كان جائراً كان باطلاً فارتفع الخير يحكى أن أنوشروان انقطع في الصيد عن القوم فانتهى إلى بستان فقال لصبي فيه : أعطني رمانة فأعطاه فاستخرج من حبها ماء كثيراً سكن به عطشه فأعجبه وأضمر أخذ البستان من مالكه فسأله أخرى فكانت عفصة قليلة الماء فسأل الصبي عنه فقال : لعل الملك عزم على الظلم فتاب قلبه وسأله أخرى فوجدها أطيب من الأولى فقال الصبي : لعل الملك تاب فتنبه أنوشروان وتاب بالكلية عن الظلم فبقي اسمه مخلداً بالعدول حتى روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه تفاخر فقال :"ولدت في زمن الملك العادل" قال الفناري في تفسير الفاتحة : بل لعله تفاخر بزمنه النوراني حتى ولد فيه مثله وذكر أنوشروان دليلاً على نورانية زمانه حيث لا يتصور في الكافر المسلط أحسن حالاً من العدل انتهى، قال الإمام السخاوي في "المقاصد الحسنة" حديث :"ولدت في زمن الملك العادل" لا أصل له ولا صحة وإن صح فإطلاق العادل عليه لتعريفه بالاسم الذي كان يدعى به لا الوصفية بالعدل والشهادة له بذلك أو وصفه بذلك على اعتقاد المعتقدين فيه أنه كان عادلاً كما قال الله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٥
﴿فَمَآ أَغْنَتْ عَنْهُمْ ءَالِهَتُهُمُ﴾ (هود : ١٠١) أي : ما كان عندهم آلهة ولا يجوز أن يسمي رسول الله صلى الله عليه وسلّم من يحكم بغير حكم الله عادلاً انتهى كلام المقاصد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "يجاء بالوالي يوم القيامة فينبذ به على جسر جهنم فيرتج به الجسر ارتجاجة لا يبقى منه مفصل إلا زال عن مكانه فإن كان مطيعاًفي عمله مضى فيه وإن كان عاصياً انخرق به الجسر فيهوى في جهنم مقدار خمسين عاماً" كذا في "تذكرة الموتى" للإمام القرطبي
١٦
قال السعدي قدس سره :
مهازور مندى مكن برجهان
كه بريك نمط مى نماند جهان
نماند ستمكار بد روز كار
بماند برو لعنت بايدار
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٥


الصفحة التالية
Icon