﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى﴾ هي القهر وصورة غضب الحق كما قال الله للنار (إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي) ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ﴾ أنانية الإنسان التي نسيان الله من خصوصيتها ﴿وَالْحِجَارَةُ﴾ أي : الذهب لأنه به يحصل مرادات النفس وشهواتها وما يميل إليه الهوى فعبر عما يعبده أنانية الإنسان بالحجارة لأن أكثر الأصنام كان من الحجارة وعن أنانية الإنسان بالناس لأنها إنما طلبت غير الله وعبدته لنسيان الحق ومعاهدة يوم الميثاق ثم جعلها وقود النار لقوله تعالى :﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ (الأنبياء : ٩٨) ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ خاصة ولكن يظهر المذنبون بها بتبعية الكافرين كما أن الجنة خلقت وأعدت للمتقين ولكن يدخلها المذنبون من أهل الإيمان بعد تطهيرهم بورود النار والعبور عليها بتبعية المتقين يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلّم حكاية عن الله تعالى (خلقت الجنة وخلقت لها أهلها وبعمل أهل الجنة يعملون وخلقت النار وخلقت لها أهلها وبعمل أهل النار يعملون).
جزء : ١ رقم الصفحة : ٧٩
﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ البشارة الخبر السار الذي يظهر به أثر السرور في البشرة أي : أفرح يا محمد قلوب الذين آمنوا بأن القرآن منزل من عند الله تعالى فالخطاب للنبي عليه السلام وقيل : لكل من يتأتى منه التبشير كما في قوله عليه الصلاة والسلام :"بشر المشائين إلى المساجد في ظلم الليالي بالنور التام يوم القيامة" فإنه عليه السلام لم يأمر بذلك واحداً بعينه بل كل أحد
٨١
مما يتأتى منه ذلك ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي : فعلوا الفعلات الصالحات وهي كل ما كان تعالى وفي عطف العمل على الإيمان دلالة على تغايرهما وإشعار بأن مدار استحقاق البشارة مجموع الأمرين فإن الإيمان أساس والعمل الصالح كالبناء عليه ولا غناء بأساس لا بناء عليه وطلب الجنة بلا عمل حال السفهاء لأن الله تعالى جعل العمل سبباً لدخول الجنة والعبد وإن كان يدخله الله الجنة بمجرد الإيمان لكن العمل يزيد نور الإيمان وبه يتنور قلب المؤمن وكم من عقبة كؤود تستقبل العبد إلى أن يصل إلى الجنة وأول تلك العقبات عقبة الإيمان أنه هل يسلم من السلب أم لا فلزم العمل لتسهيل العقبات ﴿أَنَّ لَهُمْ﴾ أي : بأن لهم ﴿جَنَّاتٍ﴾ بساتين فيها أشجار مثمرة.
والجنة ما فيه النخيل والفردوس ما فيه الكرم كذا قال الفراء ولفرط التفاف أغصان أشجارها وتسترها بالأشجار سميت جنة كأنها سترة واحدة لأن الجنة بناء مرة وإنما سميت دار الثواب بها مع أن فيها ما لا يوصف من الغرفات والقصور لكا أنها مناط نعيمها ومعظم ملاذها.
فإن قلت : ما معنى جمع الجنة وتنكيرها؟ قلت : الجنة اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنات كثيرة مرتبة مراتب على استحقاقات العاملين لكل طبقة منهم جنة من تلك الجنان.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٨١


الصفحة التالية
Icon