وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا الأرحام لعنهم الله عند ذلك فأصمهم وأعمى أبصارهم" وقال صلى الله عليه وسلّم "ثلاثة في ظل عرش الله يوم القيامة : امرأة مات عنها زوجها وترك عليها يتامى صغاراً فخطبت فلم تتزوج وقالت أقوم على أيتامي حتى يغنيهم الله أو يميت" يعني اليتيم "أو هي ورجل له مال صنع طعاماً فأطاب صنعته وأحسن نفقته فدعا عليهم اليتيم والمسكين ورجل وصل الرحم يوسع له في رزقه ويمد له في أجله ويكون تحت ظل عرش ربه" ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ﴾ بالمنع عن الإيمان والاستهزاء بالحق وقطع الوصل التي عليها يدور فلك نظام العالم وصلاحه ﴿أولئك هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ أي : المغبونون بالعقوبة في الآخرة مكان المثوبة في الجنة لأنهم استبدلوا النقض بالوفاء والقطع بالوصل والفساد بالصلاح وعقابها بثوابها.
قيل : ليس من مؤمن ولا كافر إلا وله منزل وأهل وخدم في الجنة فإن أطاعه تعالى أتى أهله وخدمه ومنزله في الجنة وإن عصاه ورثه الله المؤمن فقد غبن عن أهله وخدمه ومنزله.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٨٨
وفي "التأويلات النجمية" :﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا﴾ بنور الإيمان يشاهدون الحقائق والمعاني في صورة الأمثلة ﴿فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ﴾ حيث أنكروا الحق فجعل ظلمة إنكارهم غشاوة في أبصارهم فما شاهدوا الحقائق في كسوة الأمثلة كما أن العجم لا يشاهدون المعاني في كسوة اللغة العربية فكذلك الكفار والجهال عند تحيرهم في إدراك حقائق الأمثال قالوا :﴿مَاذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا﴾ فبجهلهم زادوا إنكاراً على إنكار فتاهوا في أودية الضلالة بقدم الجهالة ﴿يُضِلُّ بِه كَثِيرًا﴾ ممن أخطأه رشاش النور في بدء الخلق كما قال عليه السلام :"إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره فمن أصابه ذلك النور فقد اهتدى ومن أخطأه فقد ضل" فمن أخطأه ذلك النور في عالم الأرواح فقد أخطأه نور الإيمان ههنا ومن أخطأه نور الإيمان فقد أخطأه نور القرآن فلا يهتدي ومن أصابه ذلك هنالك أصابه ههنا نور الإيمان ومن أصابه نور الإيمان فقد أصابه نور القرآن ومن أصابه نور القرآن فهو ممن قال :﴿وَيَهْدِي بِه كَثِيرًا﴾ وكان القرآن لقوم شفاء ورحمة ولقوم شقاء ونقمة لأنه كلامه، وصفته شاملة اللطف والقهر فبلطفه هدى الصادقين وبقهره أضل الفاسقين لقوله :﴿وَمَا يُضِلُّ بِه إِلا الْفَاسِقِينَ﴾ الخارجين من إصابة رشاش النور في بدء الخلقة ثم أخبر عن نتائج ذكر الخروج ونقض العهود كما قال الله تعالى :﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنا بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ أي : الذين ينقضون عهد الله الذي عاهدوه يوم الميثاق على التوحيد والعبودية بالإخلاص من بعد ميثاقه ﴿وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِه أَن يُوصَلَ﴾ من أسباب السلوك الموصل إلى الحق وأسباب التبتل والانقطاع عن الخلق كما قال تعالى :﴿وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا﴾ (المزمل : ٨) أي : انقطع إليه انقطاعاً كلياً عن غيره ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ﴾ أي : يفسدون بذر التوحيد الفطري في أرض طينتهم بالشرك والإعراض عن قبول دعوة الأنبياء وسقي بذر التوحيد بالإيمان والعمل الصالح ﴿أولئك هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ خسروا استعداد كمالية الإنسان المودعة فيهم كما تخسر النواة في الأرض استعداد النخلية المودعة فيها عند عدم الماء لقوله تعالى :﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الانسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ (العصر : ١ ـ ٢ ـ ٣)
جزء : ١ رقم الصفحة : ٨٨


الصفحة التالية
Icon